المسألة الرابعة : اعلم أن لله تعالى على عباده أنواعا من التكليف ، والصابر هو من يصبر على أداء جميع أنواعها ، ثم إن العبد قد يلتزم من عند نفسه أنواعا أخر من الطاعات ، وإما بسبب الشروع فيه ، وكمال هذه المرتبة أنه إذا التزم طاعة أن يصدق نفسه في التزامه ، وذلك بأن يأتي بذلك للملتزم من غير خلل البتة ، ولما كانت هذه المرتبة متأخرة عن الأولى ، لا جرم ذكر سبحانه الصابرين أولا ثم قال : ( الصادقين ) ثانيا ، ثم إنه تعالى ندب إلى المواظبة على هذين النوعين من الطاعة ، فقال : ( والقانتين ) فهذه الألفاظ الثلاثة للترغيب في المواظبة على جميع أنواع الطاعات ، ثم بعد ذلك ذكر الطاعات المعينة ، وكان أمران : أعظم الطاعات قدرا
أحدهما : الخدمة بالمال ، وإليه الإشارة بقوله عليه السلام : " والشفقة على خلق الله " فذكره هنا بقوله ( والمنفقين )
والثانية : الخدمة بالنفس وإليه الإشارة بقوله " التعظيم لأمر الله " فذكره هنا بقوله ( والمستغفرين بالأسحار ) .
[ ص: 177 ] فإن قيل : فلم قدم هاهنا ذكر المنفقين على ذكر المستغفرين ، وأخر في قوله " التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله " .
قلنا : لأن هذه الآية في شرح عروج العبد من الأدنى إلى الأشرف ، فلا جرم وقع الختم بذكر المستغفرين بالأسحار ، وقوله " التعظيم لأمر الله " في شرح نزول العبد من الأشرف إلى الأدنى ، فلا جرم كان الترتيب بالعكس .
المسألة الخامسة : هذه الخمسة إشارة إلى تعديد الصفات لموصوف واحد ، فكان الواجب حذف واو العطف عنها كما في قوله ( هو الله الخالق البارئ المصور ) [ الحشر : 24 ] إلا أنه ذكر هاهنا واو العطف وأظن - والعلم عند الله - أن كل من كان معه واحدة من هذه الخصال دخل تحت المدح العظيم واستوجب هذا الثواب الجزيل والله أعلم .