(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) .
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : لما بين أنواع التكاليف والشرائع والأحكام ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=99ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=104وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ) فكأنه تعالى قال : إن هؤلاء الجهال مع ما تقدم من أنواع المبالغة في الإعذار والإنذار والترغيب والترهيب لم ينتفعوا بشيء منه بل بقوا مصرين على جهلهم مجدين على جهالاتهم وضلالتهم ، فلا تبالوا أيها المؤمنون بجهالتهم وضلالتهم ، بل كونوا منقادين لتكاليف الله مطيعين لأوامره ونواهيه ، فلا يضركم ضلالتهم
[ ص: 93 ] وجهالتهم ، فلهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عليكم أنفسكم ) أي احفظوا أنفسكم من ملابسة المعاصي والإصرار على الذنوب ، قال النحويون : عليك وعندك ودونك ، من جملة أسماء الأفعال ; تقول العرب : عليك وعندك ودونك ، فيعدونها إلى المفعول ويقيمونها مقام الفعل ، وينصبون بها ، فيقال : عليك زيدا ، كأنه قيل : خذ زيدا فقد علاك ، أي أشرف عليك ، وعندك زيدا ، أي حضرك فخذه ، ودونك ؛ أي قرب منك فخذه ، فهذه الأحرف الثلاثة لا اختلاف بين النحويين في إجازة النصب بها ، ونقل صاحب الكشاف ( عليكم أنفسكم ) بالرفع عن نافع .
المسألة الثالثة : ذكروا في سبب النزول وجوها :
أحدها : ما روى
الكلبي عن
أبي صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قبل من أهل الكتاب الجزية ولم يقبل من العرب إلا الإسلام أو السيف ، عير المنافقون المؤمنين بقبول الجزية من بعض الكفار دون البعض ، فنزلت هذه الآية أي ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105لا يضركم ) ملامة اللائمين إذا كنتم على الهدى .
وثانيها : أن المؤمنين كان يشتد عليهم بقاء الكفار في كفرهم وضلالتهم ، فقيل لهم : عليكم أنفسكم ، وما كلفتم من إصلاحها والمشي بها في طريق الهدى (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105لا يضركم ) ضلال الضالين ولا جهل الجاهلين .
وثالثها : أنهم كانوا يغتمون لعشائرهم لما ماتوا على الكفر فنهوا عن ذلك ، والأقرب عندي أنه لما حكى عن بعضهم أنه إذا قيل لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=104تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ) ذكر تعالى هذه الآية ، والمقصود منها بيان أنه لا ينبغي للمؤمنين أن يتشبهوا بهم في هذه الطريقة الفاسدة ، بل ينبغي أن يكونوا مصرين على دينهم ، وأن يعلموا أنه لا يضرهم جهل أولئك الجاهلين إذا كانوا راسخين في دينهم ثابتين فيه .
المسألة الرابعة : فإن قيل : ظاهر هذه الآية يوهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير واجب .
قلنا : الجواب عنه من وجوه :
الأول وهو الذي عليه أكثر الناس ، أن الآية لا تدل على ذلك بل توجب أن المطيع لربه لا يكون مؤاخذا بذنوب العاصي ، فأما
nindex.php?page=treesubj&link=24661وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فثابت بالدلائل ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012600خطب nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق رضي الله عنه فقال : إنكم تقرءون هذه الآية ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ) وتضعونها غير موضعها وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب " .
والوجه الثاني في تأويل الآية : ما روي عن
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر أنهما قالا : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عليكم أنفسكم ) يكون هذا في آخر الزمان ، قال
ابن مسعود لما قرئت عليه هذه الآية : ليس هذا بزمانها ، ما دامت قلوبكم واحدة ، ولم تلبسوا شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض ، فأمروا وانهوا ، فإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعا ووكل كل امرئ ونفسه ، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية ، وهذا القول عندي ضعيف ؛ لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105ياأيها الذين آمنوا ) خطاب عام ، وهو أيضا خطاب مع الحاضرين فكيف يخرج الحاضر ويخص الغائب .
والوجه الثالث في تأويل الآية : ما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك فقال : هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فإنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عليكم أنفسكم ) يعني عليكم أهل دينكم ولا يضركم من ضل من الكفار ، وهذا كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=54فاقتلوا أنفسكم ) [البقرة : 54] يعني أهل دينكم فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عليكم أنفسكم ) يعني بأن يعظ
[ ص: 94 ] بعضكم بعضا ويرغب بعضكم بعضا في الخيرات ، وينفره عن القبائح والسيئات ، والذي يؤكد ذلك ما بينا أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عليكم أنفسكم ) معناه احفظوا أنفسكم ، فكان ذلك أمرا بأن نحفظ أنفسنا ، فإن لم يكن ذلك الحفظ إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان ذلك واجبا .
والوجه الرابع : أن الآية مخصوصة بالكفار الذين علم أنه لا ينفعهم الوعظ ، ولا يتركون الكفر بسبب الأمر بالمعروف ، فهاهنا لا يجب على الإنسان أن يأمرهم بالمعروف ، والذي يؤكد هذا القول ما ذكرنا في سبب النزول أن الآية نازلة في المنافقين ، حيث عيروا المسلمين بأخذ الجزية من أهل الكتاب دون المشركين .
الوجه الخامس : أن الآية مخصوصة بما إذا خاف الإنسان عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نفسه أو على عرضه أو على ماله ، فهاهنا عليه نفسه لا تضره ضلالة من ضل ولا جهالة من جهل ، وكان
ابن شبرمة يقول : من فر من اثنين فقد فر ، ومن فر من ثلاثة فلم يفر .
الوجه السادس : لا يضركم - إذا اهتديتم فأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر - ضلال من ضل فلم يقبل ذلك .
الوجه السابع : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عليكم أنفسكم ) من أداء الواجبات التي من جملتها الأمر بالمعروف عند القدرة ، فإن لم يقبلوا ذلك فلا ينبغي أن تستوحشوا من ذلك فإنكم خرجتم عن عهدة تكليفكم فلا يضركم ضلال غيركم .
والوجه الثامن : أنه تعالى قال لرسوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=84فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ) [النساء : 84] وذلك لا يدل على سقوط الأمر بالمعروف عن الرسول ، فكذا هاهنا .
المسألة الخامسة : قرئ (لا يضركم) بفتح الراء مجزوما على جواب قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عليكم أنفسكم ) وقرئ بضم الراء ، وفيه وجهان :
أحدهما : على وجه الخبر ؛ أي ليس يضركم من ضل .
والثاني : أن حقها الفتح على الجواب ، ولكن ضمت الراء إتباعا لضمة الضاد .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105إلى الله مرجعكم جميعا ) يريد مصيركم ومصير من خالفكم (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105فينبئكم بما كنتم تعملون ) يعني يجازيكم بأعمالكم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) .
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : لَمَّا بَيَّنَ أَنْوَاعَ التَّكَالِيفِ وَالشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=99مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=104وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ) فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : إِنَّ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَارِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِشَيْءٍ مِنْهُ بَلْ بَقُوا مُصِرِّينَ عَلَى جَهْلِهِمْ مُجِدِّينَ عَلَى جَهَالَاتِهِمْ وَضَلَالَتِهِمْ ، فَلَا تُبَالُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِجَهَالَتِهِمْ وَضَلَالَتِهِمْ ، بَلْ كُونُوا مُنْقَادِينَ لِتَكَالِيفِ اللَّهِ مُطِيعِينَ لِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ ، فَلَا يَضُرُّكُمْ ضَلَالَتُهُمْ
[ ص: 93 ] وَجَهَالَتُهُمْ ، فَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) أَيِ احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ مُلَابَسَةِ الْمَعَاصِي وَالْإِصْرَارِ عَلَى الذُّنُوبِ ، قَالَ النَّحْوِيُّونَ : عَلَيْكَ وَعِنْدَكَ وَدُونَكَ ، مِنْ جُمْلَةِ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ ; تَقُولُ الْعَرَبُ : عَلَيْكَ وَعِنْدَكَ وَدُونَكَ ، فَيُعَدُّونَهَا إِلَى الْمَفْعُولِ وَيُقِيمُونَهَا مُقَامَ الْفِعْلِ ، وَيَنْصِبُونَ بِهَا ، فَيُقَالُ : عَلَيْكَ زَيْدًا ، كَأَنَّهُ قِيلَ : خُذْ زَيْدًا فَقَدْ عَلَاكَ ، أَيْ أَشْرَفَ عَلَيْكَ ، وَعِنْدَكَ زَيْدًا ، أَيْ حَضَرَكَ فَخُذْهُ ، وَدُونَكَ ؛ أَيْ قَرُبَ مِنْكَ فَخُذْهُ ، فَهَذِهِ الْأَحْرُفُ الثَّلَاثَةُ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ فِي إِجَازَةِ النَّصْبِ بِهَا ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ ( عَلَيْكُمْ أَنْفُسُكُمْ ) بِالرَّفْعِ عَنْ نَافِعٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : ذَكَرُوا فِي سَبَبِ النُّزُولِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : مَا رَوَى
الْكَلْبِيُّ عَنْ
أَبِي صَالِحٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَبِلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ وَلَمْ يَقْبَلْ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا الْإِسْلَامَ أَوِ السَّيْفَ ، عَيَّرَ الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْ بَعْضِ الْكُفَّارِ دُونَ الْبَعْضِ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَيْ ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105لَا يَضُرُّكُمْ ) مَلَامَةُ اللَّائِمِينَ إِذَا كُنْتُمْ عَلَى الْهُدَى .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ بَقَاءُ الْكُفَّارِ فِي كُفْرِهِمْ وَضَلَالَتِهِمْ ، فَقِيلَ لَهُمْ : عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ، وَمَا كُلِّفْتُمْ مِنْ إِصْلَاحِهَا وَالْمَشْيِ بِهَا فِي طَرِيقِ الْهُدَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105لَا يَضُرُّكُمْ ) ضَلَالُ الضَّالِّينَ وَلَا جَهْلُ الْجَاهِلِينَ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُمْ كَانُوا يَغْتَمُّونَ لِعَشَائِرِهِمْ لَمَّا مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ ، وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا حَكَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إِذَا قِيلَ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=104تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ) ذَكَرَ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا بَيَانُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْفَاسِدَةِ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا مُصِرِّينَ عَلَى دِينِهِمْ ، وَأَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُمْ جَهْلُ أُولَئِكَ الْجَاهِلِينَ إِذَا كَانُوا رَاسِخِينَ فِي دِينِهِمْ ثَابِتِينَ فِيهِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فَإِنْ قِيلَ : ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يُوهِمُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ غَيْرُ وَاجِبٍ .
قُلْنَا : الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ ، أَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ تُوجِبُ أَنَّ الْمُطِيعَ لِرَبِّهِ لَا يَكُونُ مُؤَاخَذًا بِذُنُوبِ الْعَاصِي ، فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=24661وُجُوبُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَثَابِتٌ بِالدَّلَائِلِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012600خَطَبَ nindex.php?page=showalam&ids=1الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) وَتَضَعُونَهَا غَيْرَ مَوْضِعِهَا وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ " .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ : مَا رُوِيَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) يَكُونُ هَذَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ لَمَّا قُرِئَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ : لَيْسَ هَذَا بِزَمَانِهَا ، مَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ وَاحِدَةً ، وَلَمْ تُلْبَسُوا شِيَعًا وَلَمْ يَذُقْ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ، فَأْمُرُوا وَانْهَوْا ، فَإِذَا اخْتَلَفَتِ الْقُلُوبُ وَالْأَهْوَاءُ وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا وَوُكِّلَ كُلُّ امْرِئٍ وَنَفْسَهُ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) خِطَابٌ عَامٌّ ، وَهُوَ أَيْضًا خِطَابٌ مَعَ الْحَاضِرِينَ فَكَيْفَ يُخْرِجُ الْحَاضِرَ وَيَخُصُّ الْغَائِبَ .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ : مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16418عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَقَالَ : هَذِهِ أَوْكَدُ آيَةٍ فِي وُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) يَعْنِي عَلَيْكُمْ أَهْلَ دِينِكُمْ وَلَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ مِنَ الْكُفَّارِ ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=54فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) [الْبَقَرَةِ : 54] يَعْنِي أَهْلَ دِينِكُمْ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) يَعْنِي بِأَنْ يَعِظَ
[ ص: 94 ] بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَيُرَغِّبُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْخَيْرَاتِ ، وَيُنَفِّرُهُ عَنِ الْقَبَائِحِ وَالسَّيِّئَاتِ ، وَالَّذِي يُؤَكِّدُ ذَلِكَ مَا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) مَعْنَاهُ احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ ، فَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا بِأَنْ نَحْفَظَ أَنْفُسَنَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحِفْظُ إِلَّا بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا .
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ الْآيَةَ مَخْصُوصَةٌ بِالْكُفَّارِ الَّذِينَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمُ الْوَعْظُ ، وَلَا يَتْرُكُونَ الْكُفْرَ بِسَبَبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، فَهَاهُنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالَّذِي يُؤَكِّدُ هَذَا الْقَوْلَ مَا ذَكَرْنَا فِي سَبَبِ النُّزُولِ أَنَّ الْآيَةَ نَازِلَةٌ فِي الْمُنَافِقِينَ ، حَيْثُ عَيَّرُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ الْمُشْرِكِينَ .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّ الْآيَةَ مَخْصُوصَةٌ بِمَا إِذَا خَافَ الْإِنْسَانُ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عِرْضِهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ ، فَهَاهُنَا عَلَيْهِ نَفْسُهُ لَا تَضُرُّهُ ضَلَالَةُ مَنْ ضَلَّ وَلَا جَهَالَةُ مَنْ جَهِلَ ، وَكَانَ
ابْنُ شُبْرُمَةَ يَقُولُ : مَنْ فَرَّ مِنِ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يَفِرَّ .
الْوَجْهُ السَّادِسُ : لَا يَضُرُّكُمْ - إِذَا اهْتَدَيْتُمْ فَأَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ - ضَلَالُ مَنْ ضَلَّ فَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ .
الْوَجْهُ السَّابِعُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَوْحِشُوا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّكُمْ خَرَجْتُمْ عَنْ عُهْدَةِ تَكْلِيفِكُمْ فَلَا يَضُرُّكُمْ ضَلَالُ غَيْرِكُمْ .
وَالْوَجْهُ الثَّامِنُ : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لِرَسُولِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=84فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ) [النِّسَاءِ : 84] وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ عَنِ الرَّسُولِ ، فَكَذَا هَاهُنَا .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قُرِئَ (لَا يَضُرَّكُمْ) بِفَتْحِ الرَّاءِ مَجْزُومًا عَلَى جَوَابِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) وَقُرِئَ بِضَمِّ الرَّاءِ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ ؛ أَيْ لَيْسَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ .
وَالثَّانِي : أَنَّ حَقَّهَا الْفَتْحُ عَلَى الْجَوَابِ ، وَلَكِنْ ضُمَّتِ الرَّاءُ إِتْبَاعًا لِضَمَّةِ الضَّادِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ) يُرِيدُ مَصِيرَكُمْ وَمَصِيرَ مَنْ خَالَفَكُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) يَعْنِي يُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ .