الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله تعالى : ( وخلقهم ) ففيه بحثان :

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الأول : اختلفوا في أن الضمير في قوله : ( خلقهم ) إلى ماذا يعود ؟ على قولين :

                                                                                                                                                                                                                                            فالقول الأول : أنه عائد إلى " الجن " والمعنى أنهم قالوا الجن شركاء الله ، ثم إن هؤلاء القوم اعترفوا بأن أهرمن محدث ، ثم إن في المجوس من يقول : إنه تعالى تفكر في مملكة نفسه واستعظمها فحصل نوع من العجب ، فتولد الشيطان عن ذلك العجب ، ومنهم من يقول : شك في قدرة نفسه فتولد من شكه الشيطان ، فهؤلاء معترفون بأن أهرمن محدث ، وأن محدثه هو الله تعالى فقوله تعالى : " وخلقهم " إشارة إلى هذا المعنى ، ومتى ثبت أن هذا الشيطان مخلوق لله تعالى امتنع جعله شريكا لله في تدبير العالم ؛ لأن الخالق أقوى وأكمل من المخلوق ، وجعل الضعيف الناقص شريكا للقوي الكامل محال في العقول .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثاني : أن الضمير عائد إلى الجاعلين ، وهم الذين أثبتوا الشركة بين الله تعالى وبين الجن ، وهذا القول عندي ضعيف لوجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أنا إذا حملناه على ما ذكرناه صار ذلك اللفظ الواحد دليلا قاطعا تاما كاملا في إبطال ذلك المذهب ، وإذا حملناه على هذا الوجه لم يظهر منه فائدة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيهما : أن عود الضمير إلى أقرب المذكورات واجب ، وأقرب المذكورات في هذه الآية هو الجن ، فوجب أن يكون الضمير عائدا إليه .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الثاني : قال صاحب " الكشاف " : قرئ : " وخلقهم " أي اختلاقهم للإفك . يعني : وجعلوا الله خلقهم حيث نسبوا ذبائحهم إلى الله في قولهم : ( والله أمرنا بها ) [ الأعراف : 28 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية