المسألة الثالثة : تمسك أصحابنا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102nindex.php?page=treesubj&link=28784خالق كل شيء ) على أنه تعالى هو
nindex.php?page=treesubj&link=28785الخالق لأعمال العباد ، قالوا : أعمال العباد أشياء ، والله تعالى خالق كل شيء بحكم هذه الآية ، فوجب كونه تعالى خالقا لها ؛ واعلم أنا
[ ص: 100 ] أطنبنا الكلام في هذا الدليل في كتاب " الجبر والقدر " ، ونكتفي هاهنا من تلك الكلمات بنكت قليلة ، قالت
المعتزلة : هذا اللفظ ، وإن كان عاما إلا أنه حصل مع هذه الآية وجوه تدل على أن أعمال العباد خارجة عن هذا العموم :
فأحدهما : أنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خالق كل شيء فاعبدوه ) فلو دخلت أعمال العباد تحت قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خالق كل شيء ) لصار تقدير الآية : أنا خلقت أعمالكم فافعلوها بأعيانها أنتم مرة أخرى ، ومعلوم أن ذلك فاسد .
وثانيها : أنه تعالى إنما ذكر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خالق كل شيء ) في معرض المدح والثناء على نفسه ، فلو دخل تحته أعمال العباد لخرج عن كونه مدحا وثناء ؛ لأنه لا يليق به سبحانه أن يتمدح بخلق الزنا واللواط والسرقة والكفر .
وثالثها : أنه تعالى قال بعد هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=104قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها ) [ الأنعام : 104 ] وهذا تصريح بكون العبد مستقلا بالفعل والترك ، وأنه لا مانع له البتة من الفعل والترك ، وذلك يدل على أن فعل العبد غير مخلوق لله تعالى ، إذ لو كان مخلوقا لله تعالى لما كان العبد مستقلا به ؛ لأنه إذا أوجده الله تعالى امتنع منه الدفع ، وإذا لم يوجده الله تعالى امتنع منه التحصيل ، فلما دلت هذه الآية على كون العبد مستقلا بالفعل والترك ، وثبت أن كونه كذلك يمنع أن يقال فعل العبد مخلوق لله تعالى ، ثبت أن ذكر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=104فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها ) [الأنعام : 104] يوجب تخصيص ذلك العموم .
ورابعها : أن هذه الآية مذكورة عقيب قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وجعلوا لله شركاء الجن ) وقد بينا أن المراد منه رواية
nindex.php?page=treesubj&link=28660_29706مذهب المجوس في إثبات إلهين للعالم ؛ أحدهما يفعل اللذات والخيرات ، والآخر يفعل الآلام والآفات ؛ فقوله بعد ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102لا إله إلا هو خالق كل شيء ) يجب أن يكون محمولا على إبطال ذلك المذهب ، وذلك إنما يكون إذا قلنا : إنه تعالى هو الخالق لكل ما في هذا العالم من السباع والحشرات والأمراض والآلام ، فإذا حملنا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خالق كل شيء ) على هذا الوجه لم يدخل تحته أعمال العباد ؛ قالوا : فثبت أن هذه الدلائل الأربعة توجب خروج أعمال العباد عن عموم قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خالق كل شيء ) .
والجواب : أنا نقول الدليل العقلي القاطع قد ساعد على صحة ظاهر هذه الآية ، وتقريره أن الفعل موقوف على الداعي ، وخالق الداعي هو الله تعالى ، ومجموع القدرة مع الداعي يوجب الفعل ، وذلك يقتضي كونه تعالى خالقا لأفعال العباد ، وإذا تأكد هذا الظاهر بهذا البرهان العقلي القاطع زالت الشكوك والشبهات .
المسألة الرابعة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خالق كل شيء فاعبدوه ) يدل على ترتيب الأمر بالعبادة على كونه تعالى خالقا لكل الأشياء بفاء التعقيب ، وترتيب الحكم على الوصف بحرف الفاء مشعر بالسببية ، فهذا يقتضي أن يكون
nindex.php?page=treesubj&link=29619_28658كونه تعالى خالقا للأشياء هو الموجب لكونه معبودا على الإطلاق ، والإله هو المستحق للمعبودية ، فهذا يشعر بصحة ما يذكره بعض أصحابنا من أن
nindex.php?page=treesubj&link=29687الإله عبارة عن القادر على الخلق والإبداع والإيجاد والاختراع .
المسألة الخامسة : احتج كثير من
المعتزلة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خالق كل شيء ) على نفي الصفات ، وعلى كون القرآن مخلوقا ، أما
nindex.php?page=treesubj&link=28718نفي الصفات فلأنهم قالوا : لو كان تعالى عالما بالعلم ، قادرا بالقدرة ، لكان ذلك العلم والقدرة إما أن يقال : إنهما قديمان ، أو محدثان ، والأول باطل ؛ لأن عموم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خالق كل شيء ) يقتضي كونه خالقا لكل الأشياء ؛ أدخلنا التخصيص في هذا العموم بحسب ذاته تعالى ، ضرورة أنه يمتنع أن يكون خالقا لنفسه ، فوجب أن يبقى على عمومه فيما سواه ، والقول بإثبات الصفات القديمة يقتضي مزيد التخصيص في
[ ص: 101 ] هذا العموم ، وأنه لا يجوز .
والثاني : وهو
nindex.php?page=treesubj&link=29442_18267القول بحدوث علم الله وقدرته ، فهو باطل بالإجماع ، ولأنه يلزم افتقار إيجاد ذلك العلم والقدرة إلى سبق علم آخر وقدرة أخرى ، وأن ذلك محال ، وأما تمسكهم بهذه الآية على كون القرآن مخلوقا ، فقالوا : القرآن شيء ، وكل شيء فهو مخلوق لله تعالى بحكم هذا العموم ، فلزم
nindex.php?page=treesubj&link=29453_28424_28425_28742_28744كون القرآن مخلوقا لله تعالى أقصى ما في هذا الباب أن هذا العموم دخله التخصيص في ذات الله تعالى ، إلا أن العام المخصوص حجة في غير محل التخصيص ، ولذلك فإن دخول هذا التخصيص في هذا العموم لم يمنع أهل السنة من التمسك به في إثبات أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى .
وجواب أصحابنا عنه : أنا نخصص هذا العموم بالدلائل الدالة على كونه تعالى عالما بالعلم ، قادرا بالقدرة ، وبالدلائل الدالة على أن كلام الله تعالى قديم .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : تَمَسَّكَ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102nindex.php?page=treesubj&link=28784خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28785الْخَالِقُ لِأَعْمَالِ الْعِبَادِ ، قَالُوا : أَعْمَالُ الْعِبَادِ أَشْيَاءُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ تَعَالَى خَالِقًا لَهَا ؛ وَاعْلَمْ أَنَّا
[ ص: 100 ] أَطْنَبْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الدَّلِيلِ فِي كِتَابِ " الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ " ، وَنَكْتَفِي هَاهُنَا مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ بِنُكَتٍ قَلِيلَةٍ ، قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : هَذَا اللَّفْظُ ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا إِلَّا أَنَّهُ حَصَلَ مَعَ هَذِهِ الْآيَةِ وُجُوهٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ خَارِجَةٌ عَنْ هَذَا الْعُمُومِ :
فَأَحَدُهُمَا : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ) فَلَوْ دَخَلَتْ أَعْمَالُ الْعِبَادِ تَحْتَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) لَصَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ : أَنَا خَلَقْتُ أَعْمَالَكُمْ فَافْعَلُوهَا بِأَعْيَانِهَا أَنْتُمْ مَرَّةً أُخْرَى ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ فَاسِدٌ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ عَلَى نَفْسِهِ ، فَلَوْ دَخَلَ تَحْتَهُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ لَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَدْحًا وَثَنَاءً ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَتَمَدَّحَ بِخَلْقِ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَالسَّرِقَةِ وَالْكُفْرِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=104قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ) [ الْأَنْعَامِ : 104 ] وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِكَوْنِ الْعَبْدِ مُسْتَقِلًّا بِالْفِعْلِ وَالتَّرْكِ ، وَأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ الْبَتَّةَ مِنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لِلَّهِ تَعَالَى ، إِذْ لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى لَمَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْتَقِلًّا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَوْجَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى امْتَنَعَ مِنْهُ الدَّفْعُ ، وَإِذَا لَمْ يُوجِدْهُ اللَّهُ تَعَالَى امْتَنَعَ مِنْهُ التَّحْصِيلُ ، فَلَمَّا دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى كَوْنِ الْعَبْدِ مُسْتَقِلًّا بِالْفِعْلِ وَالتَّرْكِ ، وَثَبَتَ أَنَّ كَوْنَهُ كَذَلِكَ يَمْنَعُ أَنْ يُقَالَ فِعْلُ الْعَبْدِ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى ، ثَبَتَ أَنَّ ذِكْرَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=104فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ) [الْأَنْعَامِ : 104] يُوجِبُ تَخْصِيصَ ذَلِكَ الْعُمُومِ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَذْكُورَةٌ عَقِيبَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ ) وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ رِوَايَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=28660_29706مَذْهَبِ الْمَجُوسِ فِي إِثْبَاتِ إِلَهَيْنِ لِلْعَالَمِ ؛ أَحَدُهُمَا يَفْعَلُ اللَّذَّاتِ وَالْخَيْرَاتِ ، وَالْآخَرُ يَفْعَلُ الْآلَامَ وَالْآفَاتِ ؛ فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى إِبْطَالِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا قُلْنَا : إِنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِكُلِّ مَا فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنَ السِّبَاعِ وَالْحَشَرَاتِ وَالْأَمْرَاضِ وَالْآلَامِ ، فَإِذَا حَمَلْنَا قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَهُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ ؛ قَالُوا : فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الدَّلَائِلَ الْأَرْبَعَةَ تُوجِبُ خُرُوجَ أَعْمَالِ الْعِبَادِ عَنْ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) .
وَالْجَوَابُ : أَنَّا نَقُولُ الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ الْقَاطِعُ قَدْ سَاعَدَ عَلَى صِحَّةِ ظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْفِعْلَ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّاعِي ، وَخَالِقُ الدَّاعِي هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَمَجْمُوعُ الْقُدْرَةِ مَعَ الدَّاعِي يُوجِبُ الْفِعْلَ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ تَعَالَى خَالِقًا لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ ، وَإِذَا تَأَكَّدَ هَذَا الظَّاهِرُ بِهَذَا الْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ الْقَاطِعِ زَالَتِ الشُّكُوكُ وَالشُّبُهَاتُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ) يَدُلُّ عَلَى تَرْتِيبِ الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى خَالِقًا لِكُلِّ الْأَشْيَاءِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ ، وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ بِحَرْفِ الْفَاءِ مُشْعِرٌ بِالسَّبَبِيَّةِ ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=29619_28658كَوْنُهُ تَعَالَى خَالِقًا لِلْأَشْيَاءِ هُوَ الْمُوجِبَ لِكَوْنِهِ مَعْبُودًا عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَالْإِلَهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمَعْبُودِيَّةِ ، فَهَذَا يُشْعِرُ بِصِحَّةِ مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29687الْإِلَهَ عِبَارَةٌ عَنِ الْقَادِرِ عَلَى الْخَلْقِ وَالْإِبْدَاعِ وَالْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاعِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : احْتَجَّ كَثِيرٌ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ ، وَعَلَى كَوْنِ الْقُرْآنِ مَخْلُوقًا ، أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28718نَفْيُ الصِّفَاتِ فَلِأَنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ كَانَ تَعَالَى عَالِمًا بِالْعِلْمِ ، قَادِرًا بِالْقُدْرَةِ ، لَكَانَ ذَلِكَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ إِمَّا أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُمَا قَدِيمَانِ ، أَوْ مُحْدَثَانِ ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=102خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) يَقْتَضِي كَوْنَهُ خَالِقًا لِكُلِّ الْأَشْيَاءِ ؛ أَدْخَلْنَا التَّخْصِيصَ فِي هَذَا الْعُمُومِ بِحَسَبِ ذَاتِهِ تَعَالَى ، ضَرُورَةَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لِنَفْسِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ فِيمَا سِوَاهُ ، وَالْقَوْلُ بِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ يَقْتَضِي مَزِيدَ التَّخْصِيصِ فِي
[ ص: 101 ] هَذَا الْعُمُومِ ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ .
وَالثَّانِي : وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=29442_18267الْقَوْلُ بِحُدُوثِ عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ ، فَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ افْتِقَارُ إِيجَادِ ذَلِكَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ إِلَى سَبْقِ عِلْمٍ آخَرَ وَقُدْرَةٍ أُخْرَى ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ ، وَأَمَّا تَمَسُّكُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى كَوْنِ الْقُرْآنِ مَخْلُوقًا ، فَقَالُوا : الْقُرْآنُ شَيْءٌ ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِحُكْمِ هَذَا الْعُمُومِ ، فَلَزِمَ
nindex.php?page=treesubj&link=29453_28424_28425_28742_28744كَوْنُ الْقُرْآنِ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى أَقْصَى مَا فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ هَذَا الْعُمُومَ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، إِلَّا أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ حُجَّةٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخْصِيصِ ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ دُخُولَ هَذَا التَّخْصِيصِ فِي هَذَا الْعُمُومِ لَمْ يَمْنَعْ أَهْلَ السُّنَّةِ مِنَ التَّمَسُّكِ بِهِ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى .
وَجَوَابُ أَصْحَابِنَا عَنْهُ : أَنَّا نُخَصِّصُ هَذَا الْعُمُومَ بِالدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا بِالْعِلْمِ ، قَادِرًا بِالْقُدْرَةِ ، وَبِالدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمٌ .