المسألة الرابعة : في تقرير الوجوه الدالة على أن المؤمنين يرون الله تعالى  ونحن نعدها هنا عدا ، ونحيل تقريرها إلى المواضع اللائقة بها : 
فالأول : أن موسى  عليه السلام طلب الرؤية من الله تعالى ، وذلك يدل على جواز رؤية الله تعالى . 
والثاني : أنه تعالى علق الرؤية على استقرار الجبل حيث قال : ( فإن استقر مكانه فسوف تراني    ) [ الأعراف : 143 ] واستقرار الجبل جائز ، والمعلق على الجائز جائز ، وهذان الدليلان سيأتي تقريرهما إن شاء الله تعالى في سورة الأعراف . 
الحجة الثالثة : التمسك بقوله : ( لا تدركه الأبصار    ) من الوجوه المذكورة . 
الحجة الرابعة : التمسك بقوله تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة    ) [ يونس : 26 ] وتقريره قد ذكرناه في سورة يونس . 
الحجة الخامسة : التمسك بقوله تعالى : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه    ) [ الكهف : 110 ] وكذا القول في جميع الآيات المشتملة على اللقاء ، وتقريره قد مر في هذا التفسير مرارا وأطوارا . 
 [ ص: 108 ] 
الحجة السادسة : التمسك بقوله تعالى : ( وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا    ) [ الإنسان : 20 ] فإن إحدى القراءات في هذه الآية : " ملكا " بفتح الميم وكسر اللام ، وأجمع المسلمون على أن ذلك الملك ليس إلا الله تعالى ؛ وعندي التمسك بهذه الآية أقوى من التمسك بغيرها . 
الحجة السابعة : التمسك بقوله تعالى : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون    ) [ المطففين : 15 ] وتخصيص الكفار بالحجب يدل على أن المؤمنين لا يكونون محجوبين عن رؤية الله عز وجل . 
الحجة الثامنة : التمسك بقوله تعالى : ( ولقد رآه نزلة أخرى  عند سدرة المنتهى    ) [ النجم : 14 ] وتقرير هذه الحجة سيأتي في تفسير سورة النجم . 
الحجة التاسعة : أن القلوب الصافية مجبولة على حب معرفة الله تعالى  على أكمل الوجوه ، وأكمل طرق المعرفة هو الرؤية ؛ فوجب أن تكون رؤية الله تعالى مطلوبة لكل أحد ، وإذا ثبت هذا وجب القطع بحصولها لقوله تعالى : ( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم    ) [ فصلت : 31 ] . 
الحجة العاشرة : قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا    ) [ الكهف : 107 ] دلت هذه الآية على أنه تعالى جعل جميع جنات الفردوس نزلا للمؤمنين ، والاقتصار فيها على النزل لا يجوز ، بل لا بد وأن يحصل عقيب النزل تشريف أعظم حالا من ذلك النزل ، وما ذاك إلا الرؤية . 
الحجة الحادية عشرة : قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة  إلى ربها ناظرة    ) [ القيامة : 22 ] وتقرير كل واحد من هذه الوجوه سيأتي في الموضع اللائق به من هذا الكتاب ، وأما الأخبار فكثيرة منها الحديث المشهور ، وهو قوله عليه السلام : سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته واعلم أن التشبيه وقع في تشبيه الرؤية بالرؤية في الجلاء والوضوح لا في تشبيه المرئي بالمرئي ، ومنها ما اتفق الجمهور عليه من أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ قوله تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة    ) [ يونس : 26 ] فقال : الحسنى هي الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله  ، ومنها أن الصحابة - رضي الله عنهم - اختلفوا في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هل رأى الله ليلة المعراج ، ولم يكفر بعضهم بعضا بهذا السبب ؟ وما نسبه إلى البدعة والضلالة ، وهذا يدل على أنهم كانوا مجمعين على أنه لا امتناع عقلا في رؤية الله تعالى ، فهذا جملة الكلام في سمعيات مسألة الرؤية . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					