( وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين    ) 
قوله تعالى : ( وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين    ) 
في الآية مسائل : 
المسألة الأولى : قرأ نافع  وحفص  عن عاصم    ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم    ) بالفتح في الحرفين ، وقرأ ابن كثير  وابن عامر  وأبو عمرو  بالضم في الحرفين ، وقرأ حمزة  والكسائي  وأبو بكر  عن عاصم    " فصل " بالفتح و " وحرم " بالضم ، فمن قرأ بالفتح في الحرفين فقد احتج بوجهين : 
الأول : أنه تمسك في فتح قوله : " فصل " بقوله : ( قد فصلنا الآيات    ) وفي فتح قوله : " حرم " بقوله : ( أتل ما حرم ربكم عليكم    ) [ الأنعام : 151 ] . 
والوجه الثاني : التمسك بقوله : ( مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم    ) فيجب أن يكون   [ ص: 136 ] الفعل مسندا إلى الفاعل لتقدم ذكر اسم الله تعالى ، وأما الذين قرءوا بالضم في الحرفين ، فحجتهم قوله : ( حرمت عليكم الميتة والدم    ) وقوله : ( حرمت ) تفصيل لما أجمل في هذه الآية ، فلما وجب في التفصيل أن يقال : ( حرمت عليكم الميتة    ) بفعل ما لم يسم فاعله وجب في الإجمال كذلك وهو قوله : ( ما حرم عليكم    ) ولما ثبت وجوب " حرم " بضم الحاء فكذلك يجب " فصل " بضم الفاء ؛ لأن هذا المفصل هو ذلك المحرم المجمل بعينه . وأيضا فإنه تعالى قال : ( وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا    ) وقوله : " مفصلا " يدل على "فصل" . وأما من قرأ " فصل " بالفتح وحرم بالضم فحجته في قوله : " فصل " قوله : ( قد فصلنا الآيات    ) وفي قوله : " حرم " قوله : ( حرمت عليكم الميتة    ) . 
المسألة الثانية : قوله : ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم    ) أكثر المفسرين قالوا : المراد منه قوله تعالى في أول سورة المائدة : ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير    ) وفيه إشكال : وهو أن سورة الأنعام مكية وسورة المائدة مدنية ، وهي آخر ما أنزل الله بالمدينة     . وقوله : ( وقد فصل ) يقتضي أن يكون ذلك المفصل مقدما على هذا المجمل ، والمدني متأخر عن المكي ، والمتأخر يمتنع كونه متقدما . بل الأولى أن يقال: المراد قوله بعد هذه الآية : ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه    ) [ الأنعام : 145 ] . وهذه الآية وإن كانت مذكورة بعد هذه الآية بقليل إلا أن هذا القدر من التأخير لا يمنع أن يكون هو المراد والله أعلم . وقوله : ( إلا ما اضطررتم إليه    ) أي دعتكم الضرورة إلى أكله بسبب شدة المجاعة . 
ثم قال : ( وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : قرأ ابن كثير  وأبو عمرو    " ليضلون " بفتح الياء وكذلك في يونس " ربنا ليضلوا " وفي إبراهيم " ليضلوا " وفي الحج " ثاني عطفه ليضل " وفي لقمان " لهو الحديث ليضل " وفي الزمر " أندادا ليضل " وقرأ عاصم  وحمزة  والكسائي  جميع ذلك بضم الياء . وقرأ نافع  وابن عامر  هاهنا وفي يونس بفتح الياء ، وفي سائر المواضع بالضم ، فمن قرأ بالفتح أشار إلى كونه ضالا ، ومن قرأ بالضم أشار إلى كونه مضلا . قال : وهذا أقوى في الذم لأن كل مضل فإنه يجب كونه ضالا ، وقد يكون ضالا ولا يكون مضلا ، فالمضل أكثر استحقاقا للذم من الضال . 
المسألة الثانية : المراد من قوله : " ليضلون " قيل إنه عمرو بن لحي  ، فمن دونه من المشركين . لأنه أول من غير دين إسماعيل  واتخذ البحائر والسوائب وأكل الميتة    . وقوله : ( بغير علم ) يريد أن عمرو بن لحي  أقدم على هذه المذاهب عن الجهالة الصرفة والضلالة المحضة . وقال الزجاج    : المراد منه الذين يحللون الميتة ويناظرونكم في إحلالها ، ويحتجون عليها بقولهم لما حل ما تذبحونه أنتم فبأن يحل ما يذبحه الله أولى . وكذلك كل ما يضلون فيه من عبادة الأوثان  والطعن في نبوة محمد  عليه الصلاة والسلام ، فإنما يتبعون فيه الهوى والشهوة ، ولا بصيرة عندهم ولا علم . 
المسألة الثالثة : دلت هذه الآية على أن القول في الدين بمجرد التقليد  حرام ؛ لأن القول بالتقليد قول بمحض الهوى والشهوة ، والآية دلت على أن ذلك حرام . 
قال تعالى : ( إن ربك هو أعلم بالمعتدين    ) والمراد منه أنه هو العالم بما في قلوبهم وضمائرهم من   [ ص: 137 ] التعدي وطلب نصرة الباطل والسعي في إخفاء الحق ، وإذا كان عالما بأحوالهم وكان قادرا على مجازاتهم فهو تعالى يجازيهم عليها ، والمقصود من هذه الكلمة التهديد والتخويف . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					