ثم قال تعالى : ( كلوا من ثمره إذا أثمر ) وفيه مباحث .
البحث الأول : أنه تعالى لما ذكر كيفية خلقه لهذه الأشياء ذكر ما هو المقصود الأصلي من خلقها ، وهو انتفاع المكلفين بها ، فقال : ( كلوا من ثمره ) واختلفوا ما الفائدة منه ؟ فقال بعضهم : الإباحة . وقال آخرون : بل المقصود منه ؛ لأنه تعالى لما أوجب الحق فيه كان يجوز أن يحرم على المالك تناوله لمكان شركة المساكين فيه ، بل هذا هو الظاهر فأباح تعالى هذا الأكل ، وأخرج وجوب الحق فيه من أن يكون مانعا من هذا التصرف . وقال بعضهم : بل أباح تعالى ذلك ليبين أن المقصد بخلق هذه النعم ؛ إما الأكل وإما التصدق ، وإنما قدم ذكر الأكل على التصدق ؛ لأن إباحة الأكل قبل إخراج الحق . قال تعالى : ( رعاية النفس مقدمة على رعاية الغير ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ) [ القصص : 77 ] .
البحث الثاني : تمسك بعضهم بقوله : ( كلوا من ثمره إذا أثمر ) بأن ؛ لأن قوله : ( كلوا ) خطاب عام يتناول الكل ، فصار هذا جاريا مجرى قوله تعالى : ( الأصل في المنافع الإباحة والإطلاق خلق لكم ما في الأرض جميعا ) وأيضا يمكن التمسك به على أن الأصل عدم وجوب الصدقة ، وأن من ادعى إيجابه كان هو المحتاج إلى الدليل ، فيتمسك به في أن المجنون إذا أفاق في أثناء الشهر ، لا يلزمه قضاء ما مضى ، وفي أن الشارع في صوم النفل لا يجب عليه الإتمام .
البحث الثالث : قوله : ( كلوا من ثمره ) يدل على أن ، وعند هذا قال بعضهم : الأصل في الاستعمال الحقيقة ، فوجب جعل هذه الصيغة مفيدة لرفع الحجر ، فلهذا قالوا : الأمر مقتضاه الإباحة ، إلا أنا نقول : نعلم بالضرورة من لغة العرب أن هذه الصيغة تفيد ترجيح جانب الفعل ، وأن حملها على الإباحة لا يصار إليه إلا بدليل منفصل . صيغة الأمر قد ترد في غير موضع الوجوب وفي غير موضع الندب