[ ص: 34 ] ( فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم )
فقال عز من قائل :( فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين )
وفيه مباحث :
البحث الأول : العتو عبارة عن الإباء والعصيان ، وإذا عتوا عما نهوا عنه فقد أطاعوا ؛ لأنهم أبوا عما نهوا عنه ، ومعلوم أنه ليس المراد ذلك فلا بد من إضمار ، والتقدير : فلما عتوا عن ترك ما نهوا عنه ، ثم حذف المضاف ، وإذا كان ذلك ارتكابا للمنهي . أبوا ترك المنهي
البحث الثاني : من الناس من قال : إن قوله :( قلنا لهم كونوا قردة ) ليس من المقال ، بل المراد منه : أنه تعالى فعل ذلك . قال : وفيه دلالة على أن قوله :( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) [ النحل : 40 ] هو بمعنى الفعل لا الكلام . وقال الزجاج : أمروا بأن يكونوا كذلك بقول سمع فيكون أبلغ .
واعلم أن حمل هذا الكلام على هذا بعيد ؛ لأن المأمور بالفعل يجب أن يكون قادرا عليه ، والقوم ما كانوا قادرين على أن يقلبوا أنفسهم قردة .
البحث الثالث : قال : أصبح القوم وهم قردة صاغرون ، فمكثوا كذلك ثلاثا فرآهم الناس ثم هلكوا . ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن شباب القوم صاروا قردة ، والشيوخ خنازير ، وهذا القول على خلاف الظاهر . واختلفوا في أن الذين مسخوا هل بقوا قردة ؟ وهل هذه القردة من نسلهم أو هلكوا ، وانقطع نسلهم ؟ ولا دلالة في الآية عليه ، ابن عباس وما فيه من المباحثات قد سبق بالاستقصاء في سورة البقرة . والله أعلم . والكلام في المسخ