الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى :( قل الأنفال لله والرسول ) ففيه بحثان :

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الأول : المراد منه أن حكمها مختص بالله والرسول يأمره الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ، وليس الأمر في قسمتها مفوضا إلى رأي أحد .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الثاني : قال مجاهد وعكرمة والسدي : إنها منسوخة بقوله :( فأن لله خمسه وللرسول ) ، وذلك لأن قوله :( قل الأنفال لله والرسول ) يقتضي أن تكون الغنائم كلها للرسول ، فنسخها الله بآيات الخمس وهو قول ابن عباس في بعض الروايات ، وأجيب عنه من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن قوله :( قل الأنفال لله والرسول ) معناه أن الحكم فيها لله وللرسول ، وهذا المعنى باق فلا يمكن أن يصير منسوخا ، ثم إنه تعالى حكم بأن يكون أربعة أخماسها ملكا للغانمين .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن آية الخمس تدل على كون الغنيمة ملكا للغانمين ، والأنفال ههنا مفسرة لا بالغنائم ، بل بالسلب ، وإنما ينفله الرسول عليه السلام لبعض الناس لمصلحة من المصالح .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى :( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) وفيه بحثان :

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الأول : معناه فاتقوا عقاب الله ولا تقدموا على معصية الله ، واتركوا المنازعة والمخاصمة بسبب هذه الأحوال ، وارضوا بما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الثاني : في قوله :( وأصلحوا ذات بينكم ) أي وأصلحوا ذات بينكم من الأقوال ، ولما كانت [ ص: 95 ] الأقوال واقعة في البين ، قيل لها : ذات البين ، كما أن الأسرار لما كانت مضمرة في الصدور قيل لها : ذات الصدور .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال :( وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) والمعنى أنه تعالى نهاهم عن مخالفة حكم الرسول بقوله :( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) ثم أكد ذلك بأن أمرهم بطاعة الرسول بقوله :( وأطيعوا الله ورسوله ) ثم بالغ في هذا التأكيد فقال :( إن كنتم مؤمنين ) والمراد أن الإيمان الذي دعاكم الرسول إليه ورغبتم فيه لا يتم حصوله إلا بالتزام هذه الطاعة ، فاحذروا الخروج عنها ، واحتج من قال : ترك الطاعة يوجب زوال الإيمان بهذه الآية ، وتقريره أن المعلق بكلمة "إن" على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء ، وههنا الإيمان معلق على الطاعة بكلمة( إن ) فيلزم عدم الإيمان عند عدم الطاعة ، وتمام هذه المسألة مذكور في قوله تعالى :( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) [النساء : 31] والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية