أما قل الأنفال لله والرسول ) ففيه بحثان : قوله تعالى :(
البحث الأول : المراد منه أن حكمها مختص بالله والرسول يأمره الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ، وليس الأمر في قسمتها مفوضا إلى رأي أحد .
البحث الثاني : قال مجاهد وعكرمة والسدي : إنها منسوخة بقوله :( فأن لله خمسه وللرسول ) ، وذلك لأن قوله :( قل الأنفال لله والرسول ) يقتضي أن تكون الغنائم كلها للرسول ، فنسخها الله بآيات الخمس وهو قول في بعض الروايات ، وأجيب عنه من وجوه : ابن عباس
الأول : أن قوله :( قل الأنفال لله والرسول ) معناه أن الحكم فيها لله وللرسول ، وهذا المعنى باق فلا يمكن أن يصير منسوخا ، ثم إنه تعالى حكم بأن يكون أربعة أخماسها ملكا للغانمين .
الثاني : أن آية الخمس تدل على كون الغنيمة ملكا للغانمين ، والأنفال ههنا مفسرة لا بالغنائم ، بل بالسلب ، وإنما ينفله الرسول عليه السلام لبعض الناس لمصلحة من المصالح .
ثم قال تعالى :( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) وفيه بحثان :
البحث الأول : معناه فاتقوا عقاب الله ولا تقدموا على معصية الله ، واتركوا المنازعة والمخاصمة بسبب هذه الأحوال ، وارضوا بما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
البحث الثاني : في قوله :( وأصلحوا ذات بينكم ) أي وأصلحوا ذات بينكم من الأقوال ، ولما كانت [ ص: 95 ] الأقوال واقعة في البين ، قيل لها : ذات البين ، كما أن الأسرار لما كانت مضمرة في الصدور قيل لها : ذات الصدور .
ثم قال :( وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) والمعنى أنه تعالى نهاهم عن مخالفة حكم الرسول بقوله :( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) ثم أكد ذلك بأن أمرهم بطاعة الرسول بقوله :( وأطيعوا الله ورسوله ) ثم بالغ في هذا التأكيد فقال :( إن كنتم مؤمنين ) والمراد أن الإيمان الذي دعاكم الرسول إليه ورغبتم فيه لا يتم حصوله إلا بالتزام هذه الطاعة ، فاحذروا الخروج عنها ، واحتج من قال : ترك الطاعة يوجب زوال الإيمان بهذه الآية ، وتقريره أن المعلق بكلمة "إن" على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء ، وههنا الإيمان معلق على الطاعة بكلمة( إن ) فيلزم عدم الإيمان عند عدم الطاعة ، وتمام هذه المسألة مذكور في قوله تعالى :( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) [النساء : 31] والله أعلم .