قوله تعالى :( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين ) .
فيه وجهان : هذا الاستثناء إلى أي شيء عاد ؟
الأول : قال الزجاج : إنه عائد إلى قوله :( براءة ) والتقدير( براءة من الله ورسوله ) إلى المشركين المعاهدين إلا من الذين لم ينقضوا العهد .
والثاني : قال صاحب "الكشاف" : وجهه أن يكون مستثنى من قوله :( فسيحوا في الأرض ) لأن الكلام خطاب للمسلمين ، والتقدير : براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقصوكم فأتموا إليهم عهدهم .
واعلم أنه تعالى وصفهم بأمرين :
أحدهما : قوله :( ثم لم ينقصوكم ) .
والثاني : قوله :( ولم يظاهروا عليكم أحدا ) .
والأقرب أن يكون المراد من الأول أن يقدموا على المحاربة بأنفسهم ، ومن الثاني أن يهيجوا أقواما آخرين وينصروهم ويرغبوهم في الحرب ، ثم قال :( فأتموا إليهم عهدهم ) والمعنى أن الذين ما غدروا من هذين الوجهين ، فأتموا إليهم عهدهم ، ولا تجعلوا الوافين كالغادرين . فأتموا إليهم عهدهم ) أي أدوه إليهم تاما كاملا . قال وقوله :( : بقي لحي من ابن عباس كنانة من عهدهم تسعة أشهر فأتم إليهم عهدهم ،( إن الله ) [ ص: 179 ] ( يحب المتقين ) يعني أن قضية التقوى أن لا يسوى بين القبيلتين أو يكون المراد أن هذه الطائفة لما أنفوا النكث ونقض العهد ، استحقوا من الله أن يصان عهدهم أيضا عن النقض والنكث ، روي أنه عدت بنو بكر على بني خزاعة في حال غيبة رسول الله وظاهرتهم قريش بالسلاح ، حتى وفد عمرو بن سالم الخزاعي على رسول الله فأنشده :
اللهم إني ناشد محمدا
حلف أبينا وأبيك الأتلدا
إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ذمامك المؤكدا
هم بيتونا بالحطيم هجدا
وقتلونا ركعا وسجدا
فقال عليه الصلاة والسلام : "لا نصرت إن لم أنصركم" وقرئ " لم ينقضوكم " بالضاد المعجمة أي لم ينقضوا عهدكم .