ثم قال تعالى :( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : احتج رحمه الله بهذه الآية على أن الشافعي يقتل ، قال : لأنه تعالى أباح دماء الكفار مطلقا بجميع الطرق ، ثم حرمها عند مجموع هذه الثلاثة ، وهي التوبة عن الكفر ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فعندما لم يوجد هذا المجموع ، وجب أن يبقى إباحة الدم على الأصل . تارك الصلاة
فإن قالوا : لم لا يجوز أن يكون المراد الإقرار بهما واعتقاد وجوبهما ؟ والدليل عليه أن لا يقتل . تارك الزكاة
أجابوا عنه : بأن ما ذكرتم عدول عن الظاهر ، وأما في تارك الزكاة فقد دخله التخصيص .
فإن قالوا : لم كان حمل التخصيص أولى من حمل الكلام على اعتقاد وجوب الصلاة والزكاة ؟
قلنا : لأنه ثبت في أصول الفقه أنه مهما وقع التعارض بين المجاز وبين التخصيص ، فالتخصيص أولى بالحمل .
المسألة الثانية : نقل عن رضي الله عنه أنه كان يقول في مانعي الزكاة : لا أفرق بين ما جمع الله ، ولعل مراده كان هذه الآية ؛ لأنه تعالى لم يأمر بتخلية سبيلهم إلا لمن تاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة ، فأوجب أبي بكر الصديق وهذا بعد أن جحدوا وجوبها أما إن أقروا بوجوبها وامتنعوا من الدفع إليه خاصة ، فمن الجائز أنه كان يذهب إلى وجوب مقاتلتهم من حيث امتنعوا من دفع الزكاة إلى الإمام ، وقد كان مذهبه أن ذلك معلوم من دين الرسول عليه السلام كما يعلم سائر الشرائع الظاهرة . مقاتلة أهل الردة لما امتنعوا من الزكاة
المسألة الثالثة : قد تكلمنا في حقيقة التوبة في سورة البقرة في قوله :( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ) [البقرة : 37] روى الحسن محمد ثلاثا ، فقال عليه السلام : عرف الحق لأهله فأرسلوه . أن أسيرا نادى بحيث يسمع الرسول : أتوب إلى الله ولا أتوب إلى
المسألة الرابعة : قوله :( فخلوا سبيلهم ) قيل إلى البيت الحرام ، وقيل إلى التصرف في مهماتهم( إن الله غفور رحيم ) لمن تاب وآمن ، وفيه لطيفة وهو أنه تعالى ضيق عليهم جميع الخيرات وألقاهم في جميع الآفات ، ثم بين أنهم لو تابوا عن الكفر وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فقد تخلصوا عن كل تلك الآفات في الدنيا ، فنرجو من فضل الله أن يكون الأمر كذلك يوم القيامة أيضا فالتوبة عبارة عن تطهير القوة النظرية عن الجهل ، والصلاة والزكاة عبارة عن تطهير القوة العملية عما لا ينبغي وذلك يدل على أن كمال السعادة منوط بهذا المعنى .