(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون )
قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون )
اعلم أنه تعالى لما قطع في الآية الأولى رجاء المنافقين عن جميع منافع الآخرة ، بين أن الأشياء التي يظنونها من باب المنافع في الدنيا ، فإنه تعالى جعلها أسباب تعظيمهم في الدنيا ، وأسباب اجتماع المحن والآفات عليهم ، ومن تأمل في هذه الآيات عرف أنها مرتبة على أحسن الوجوه ؛ فإنه تعالى لما بين قبائح أفعالهم وفضائح أعمالهم ، بين ما لهم في الآخرة من العذاب الشديد وما لهم في الدنيا من وجوه المحنة والبلية ، ثم بين بعد ذلك أن ما يفعلونه من أعمال البر لا ينتفعون به يوم القيامة البتة . ثم بين في هذه الآية أن ما يظنون أنه من منافع الدنيا فهو في الحقيقة سبب لعذابهم وبلائهم وتشديد المحنة عليهم ، وعند هذا يظهر
[ ص: 74 ] أن
nindex.php?page=treesubj&link=19229النفاق جالب لجميع الآفات في الدين والدنيا ، ومبطل لجميع الخيرات في الدين والدنيا ، وإذا وقف الإنسان على هذا الترتيب عرف أنه لا يمكن ترتيب الكلام على وجه أحسن من هذا . ومن الله التوفيق . وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا الخطاب ، وإن كان في الظاهر مختصا بالرسول عليه السلام ، إلا أن المراد منه كل المؤمنين ، أي : لا ينبغي أن تعجبوا بأموال هؤلاء المنافقين والكافرين ، ولا بأولادهم ولا بسائر نعم الله عليهم ، ونظيره قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=131ولا تمدن عينيك ) [ طه : 131 ] الآية .
المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=18865الإعجاب : السرور بالشيء مع نوع الافتخار به ، ومع اعتقاد أنه ليس لغيره ما يساويه ، وهذه الحالة تدل على استغراق النفس في ذلك الشيء وانقطاعها عن الله ، فإنه لا يبعد في حكم الله أن يزيل ذلك الشيء عن ذلك الإنسان ويجعله لغيره ، والإنسان متى كان متذكرا لهذا المعنى زال إعجابه بالشيء ، ولذلك قال عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012817 " nindex.php?page=treesubj&link=18866_18897_32511_32509ثلاث مهلكات ؛ شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه " وكان عليه السلام يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012818 " هلك المكثرون " ، وقال عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012819 " ما لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت " . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير ، ورفعه إلى الرسول عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012820 " من كثر ماله اشتد حسابه ، ومن كثر بيعه كثرت شياطينه ، ومن ازداد من السلطان قربا ازداد من الله بعدا " . والأخبار المناسبة لهذا الباب كثيرة ، والمقصود منها الزجر عن
nindex.php?page=treesubj&link=27209_29497الارتكان إلى الدنيا ، والمنع من التهالك في حبها والافتخار بها .
قال بعض المحققين : الموجودات بحسب القسمة العقلية على أربعة أقسام : الأول : الذي يكون أزليا أبديا ، وهو الله جل جلاله ، والثاني : الذي لا يكون أزليا ولا أبديا وهو الدنيا . والثالث : الذي يكون أزليا ولا يكون أبديا ، وهذا محال الوجود ؛ لأنه ثبت بالدليل أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه . والرابع : الذي يكون أبديا ولا يكون أزليا ، وهو الآخرة وجميع المكلفين ؛ فإن الآخرة لها أول لكن لا آخر لها ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=19793_19794المكلف سواء كان مطيعا أو كان عاصيا فلحياته أول ، ولا آخر لها .
وإذا ثبت هذا ثبت أن المناسبة الحاصلة بين الإنسان المكلف وبين الآخرة أشد من المناسبة بينه وبين الدنيا ، ويظهر من هذا أنه خلق للآخرة لا للدنيا ، فينبغي أن لا يشتد عجبه بالدنيا ، وأن لا يميل قلبه إليها ؛ فإن المسكن الأصلي له هو الآخرة لا الدنيا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَطَعَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى رَجَاءَ الْمُنَافِقِينَ عَنْ جَمِيعِ مَنَافِعِ الْآخِرَةِ ، بَيَّنَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي يَظُنُّونَهَا مِنْ بَابِ الْمَنَافِعِ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهَا أَسْبَابَ تَعْظِيمِهِمْ فِي الدُّنْيَا ، وَأَسْبَابَ اجْتِمَاعِ الْمِحَنِ وَالْآفَاتِ عَلَيْهِمْ ، وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ عَرَفَ أَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ قَبَائِحَ أَفْعَالِهِمْ وَفَضَائِحَ أَعْمَالِهِمْ ، بَيَّنَ مَا لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ وَمَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ وُجُوهِ الْمِحْنَةِ وَالْبَلِيَّةِ ، ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْبَتَّةَ . ثُمَّ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مَا يَظُنُّونَ أَنَّهُ مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ سَبَبٌ لِعَذَابِهِمْ وَبَلَائِهِمْ وَتَشْدِيدِ الْمِحْنَةِ عَلَيْهِمْ ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ
[ ص: 74 ] أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19229النِّفَاقَ جَالِبٌ لِجَمِيعِ الْآفَاتِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، وَمُبْطِلٌ لِجَمِيعِ الْخَيْرَاتِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، وَإِذَا وَقَفَ الْإِنْسَانُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ عَرَفَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَرْتِيبُ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا . وَمِنَ اللَّهِ التَّوْفِيقُ . وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذَا الْخِطَابُ ، وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مُخْتَصًّا بِالرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَيْ : لَا يَنْبَغِي أَنْ تَعْجَبُوا بِأَمْوَالِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ ، وَلَا بِأَوْلَادِهِمْ وَلَا بِسَائِرِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=131وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ) [ طه : 131 ] الْآيَةَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=18865الْإِعْجَابُ : السُّرُورُ بِالشَّيْءِ مَعَ نَوْعِ الِافْتِخَارِ بِهِ ، وَمَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ مَا يُسَاوِيهِ ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ تَدُلُّ عَلَى اسْتِغْرَاقِ النَّفْسِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ وَانْقِطَاعِهَا عَنِ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ فِي حُكْمِ اللَّهِ أَنْ يُزِيلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَنْ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ وَيَجْعَلَهُ لِغَيْرِهِ ، وَالْإِنْسَانُ مَتَى كَانَ مُتَذَكِّرًا لِهَذَا الْمَعْنَى زَالَ إِعْجَابُهُ بِالشَّيْءِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012817 " nindex.php?page=treesubj&link=18866_18897_32511_32509ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ ؛ شُحٌّ مُطَاعٌ ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ " وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012818 " هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ " ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012819 " مَا لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ " . وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ ، وَرَفَعَهُ إِلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012820 " مَنْ كَثُرَ مَالُهُ اشْتَدَّ حِسَابُهُ ، وَمَنْ كَثُرَ بَيْعُهُ كَثُرَتْ شَيَاطِينُهُ ، وَمَنِ ازْدَادَ مِنَ السُّلْطَانِ قُرْبًا ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ بُعْدًا " . وَالْأَخْبَارُ الْمُنَاسِبَةُ لِهَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الزَّجْرُ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=27209_29497الِارْتِكَانِ إِلَى الدُّنْيَا ، وَالْمَنْعُ مِنَ التَّهَالُكِ فِي حُبِّهَا وَالِافْتِخَارِ بِهَا .
قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ : الْمَوْجُودَاتُ بِحَسَبِ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : الْأَوَّلُ : الَّذِي يَكُونُ أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا ، وَهُوَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ ، وَالثَّانِي : الَّذِي لَا يَكُونُ أَزَلِيًّا وَلَا أَبَدِيًّا وَهُوَ الدُّنْيَا . وَالثَّالِثُ : الَّذِي يَكُونُ أَزَلِيًّا وَلَا يَكُونُ أَبَدِيًّا ، وَهَذَا مُحَالُ الْوُجُودِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ مَا ثَبَتَ قِدَمُهُ امْتَنَعَ عَدَمُهُ . وَالرَّابِعُ : الَّذِي يَكُونُ أَبَدِيًّا وَلَا يَكُونُ أَزَلِيًّا ، وَهُوَ الْآخِرَةُ وَجَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ ؛ فَإِنَّ الْآخِرَةَ لَهَا أَوَّلٌ لَكِنْ لَا آخِرَ لَهَا ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=19793_19794الْمُكَلَّفُ سَوَاءً كَانَ مُطِيعًا أَوْ كَانَ عَاصِيًا فَلِحَيَاتِهِ أَوَّلٌ ، وَلَا آخِرَ لَهَا .
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ الْحَاصِلَةَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ الْمُكَلَّفِ وَبَيْنَ الْآخِرَةِ أَشَدُّ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّنْيَا ، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ خُلِقَ لِلْآخِرَةِ لَا لِلدُّنْيَا ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْتَدَّ عَجَبُهُ بِالدُّنْيَا ، وَأَنْ لَا يَمِيلَ قَلْبُهُ إِلَيْهَا ؛ فَإِنَّ الْمَسْكَنَ الْأَصْلِيَّ لَهُ هُوَ الْآخِرَةُ لَا الدُّنْيَا .