[ ص: 26 ] ( يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب )
قوله تعالى : ( ياإبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب ) .
اعلم أن قوله : ( يا إبراهيم أعرض عن هذا ) معناه : أن الملائكة قالوا له : اترك هذه المجادلة ؛ لأنه قد جاء أمر ربك بإيصال هذا العذاب إليهم ، وإذا لاح وجه دلالة النص على هذا الحكم فلا سبيل إلى دفعه ؛ فلذلك أمروه بترك المجادلة ، ولما ذكروا ( إنه قد جاء أمر ربك ) ولم يكن في هذا اللفظ دلالة على أن هذا الأمر بماذا جاء ، لا جرم بين الله تعالى أنهم آتيهم عذاب غير مردود ، أي عذاب لا سبيل إلى دفعه ورده .
ثم قال : ( ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا ) وهؤلاء الرسل هم إبراهيم بالولد - عليهم السلام . قال الرسل الذين بشروا - رضي الله عنهما - : انطلقوا من عند ابن عباس إبراهيم إلى لوط ، وبين القريتين أربع فراسخ ، ودخلوا عليه على صورة شباب مرد من بني آدم ، وكانوا في غاية الحسن ، ولم يعرف لوط أنهم ملائكة الله ، وذكروا فيه ستة أوجه :
الأول : أنه ظن أنهم من الإنس ، فخاف عليهم خبث قومه ، وأن يعجزوا عن مقاومتهم .
الثاني : ساءه مجيئهم ؛ لأنه ما كان يجد ما ينفقه عليهم ، وما كان قادرا على القيام بحق ضيافتهم .
والثالث : ساءه ذلك ؛ لأن قومه منعوه من إدخال الضيف داره .
الرابع : ساءه مجيئهم ؛ لأنه عرف بالحذر أنهم ملائكة ، وأنهم إنما جاءوا لإهلاك قومه .
والوجه الأول هو الأصح ؛ لدلالة قوله تعالى : ( وجاءه قومه يهرعون إليه ) وبقي في الآية ألفاظ ثلاثة لا بد من تفسيرها :
اللفظ الأول : قوله : ( سيء بهم ) ومعناه : ساء مجيئهم ، وساء يسوء فعل لازم مجاوز ، يقال : سؤته فسيء ، مثل شغلته فشغل ، وسررته فسر . قالالزجاج : أصله "سوئ بهم" ، إلا أن الواو سكنت ، ونقلت كسرتها إلى السين .
اللفظ الثاني : قوله : ( وضاق بهم ذرعا ) قال الأزهري : الذرع يوضع موضع الطاقة ، والأصل فيه : البعير يذرع بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوته ، فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق ذرعه عن ذلك ، فضعف ومد عنقه ، فجعل عبارة عن قدر الوسع والطاقة ، فيقال : ما لي به ذرع ولا ذراع ، أي ما لي به طاقة ، والدليل على صحة ما قلناه أنهم يجعلون الذراع في موضع الذرع ، فيقولون : ضقت بالأمر ذراعا . ضيق الذرع
واللفظ الثالث : قوله : ( هذا يوم عصيب ) أي يوم شديد ، وإنما قيل للشديد عصيب ؛ لأنه يعصب الإنسان بالشر .