ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18وجاءوا على قميصه بدم كذب ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : إنما جاءوا بهذا القميص الملطخ بالدم ليوهم كونهم صادقين في مقالتهم . قيل : ذبحوا جديا ولطخوا ذلك القميص بدمه . قال القاضي : ولعل غرضهم في نزع قميصه عند إلقائه في غيابة الجب أن يفعلوا هذا توكيدا لصدقهم ، لأنه يبعد أن يفعلوا ذلك طمعا في نفس القميص ولا بد في المعصية من أن يقرن بهذا الخذلان ، فلو خرقوه مع لطخه بالدم لكان الإيهام أقوى ، فلما شاهد القميص صحيحا علم كذبهم .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18وجاءوا على قميصه ) أي وجاءوا فوق قميصه بدم كما يقال : جاءوا على جمالهم بأحمال .
المسألة الثالثة : قال أصحاب العربية وهم
الفراء nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد والزجاج nindex.php?page=showalam&ids=12590وابن الأنباري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18بدم كذب ) أي مكذوب فيه ، إلا أنه وصف بالمصدر على تقدير دم ذي كذب ولكنه جعل نفسه كذبا للمبالغة ، قالوا : والمفعول والفاعل يسميان بالمصدر كما يقال : ماء سكب ، أي مسكوب ، ودرهم ضرب الأمير وثوب نسج اليمن ، والفاعل كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=30إن أصبح ماؤكم غورا ) [ الملك : 30 ] ورجل عدل وصوم ، ونساء نوح ; ولما سميا بالمصدر سمي المصدر أيضا بهما فقالوا للعقل المعقول ، وللجلد المجلود ، ومنه قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=6بأييكم المفتون ) [ القلم : 6 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=7إذا مزقتم كل ممزق ) [ سبأ : 7 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي :
nindex.php?page=treesubj&link=31895_32016قصة يوسف كلها في قميصه ، وذلك لأنهم لما ألقوه في الجب نزعوا قميصه ولطخوه بالدم وعرضوه على أبيه ، ولما شهد الشاهد قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=26إن كان قميصه قد من قبل ) [ يوسف : 26 ] ولما أتي بقميصه إلى
يعقوب عليه السلام فألقي على وجهه ارتد بصيرا . ثم ذكر تعالى أن إخوة
يوسف لما ذكروا ذلك الكلام واحتجوا على صدقهم بالقميص الملطخ بالدم قال
يعقوب عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18بل سولت لكم أنفسكم أمرا ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : معناه : بل زينت لكم أنفسكم أمرا . والتسويل تقدير معنى في النفس مع الطمع في إتمامه ، قال
الأزهري : كأن التسويل تفعيل من سؤال الإنسان ، وهو أمنيته التي يطلبها فتزين لطالبها الباطل وغيره . وأصله مهموز غير أن العرب استثقلوا فيه الهمز . وقال صاحب الكشاف : " سولت " سهلت من السول وهو الاسترخاء .
إذا عرفت هذا فنقول : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18بل ) رد لقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=14أكله الذئب ) كأنه قال : ليس كما تقولون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18بل سولت لكم أنفسكم ) في شأنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18أمرا ) أي زينت لكم أنفسكم أمرا غير ما تصفون ، واختلفوا في السبب الذي به عرف كونهم كاذبين على وجوه :
الأول : أنه عرف ذلك بسبب أنه كان يعرف الحسد الشديد في قلوبهم .
والثاني : أنه كان عالما بأنه حي لأنه عليه الصلاة والسلام قال
ليوسف : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وكذلك يجتبيك ربك ) [ يوسف : 6 ]
[ ص: 83 ] وذلك دليل قاطع على أنهم كاذبون في ذلك .
القول الثالث : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : لما جاءوا على قميصه بدم كذب ، وما كان متخرقا ، قال : كذبتم لو أكله الذئب لخرق قميصه ، وعن
السدي أنه قال : إن
يعقوب عليه السلام قال : إن هذا الذئب كان رحيما ، فكيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه ؟ وقيل : إنه عليه السلام لما قال ذلك قال بعضهم : بل قتله اللصوص . فقال : كيف قتلوه وتركوا قميصه وهم إلى قميصه أحوج منه إلى قتله ؟ فلما اختلفت أقوالهم عرف بسبب ذلك كذبهم .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : إِنَّمَا جَاءُوا بِهَذَا الْقَمِيصِ الْمُلَطَّخِ بِالدَّمِ لِيُوهِمَ كَوْنَهُمْ صَادِقِينَ فِي مَقَالَتِهِمْ . قِيلَ : ذَبَحُوا جِدْيًا وَلَطَّخُوا ذَلِكَ الْقَمِيصَ بِدَمِهِ . قَالَ الْقَاضِي : وَلَعَلَّ غَرَضَهُمْ فِي نَزْعِ قَمِيصِهِ عِنْدَ إِلْقَائِهِ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ أَنْ يَفْعَلُوا هَذَا تَوْكِيدًا لِصِدْقِهِمْ ، لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ طَمَعًا فِي نَفْسِ الْقَمِيصِ وَلَا بُدَّ فِي الْمَعْصِيَةِ مِنْ أَنْ يُقْرَنَ بِهَذَا الْخِذْلَانِ ، فَلَوْ خَرَقُوهُ مَعَ لَطْخِهِ بِالدَّمِ لَكَانَ الْإِيهَامُ أَقْوَى ، فَلَمَّا شَاهَدَ الْقَمِيصَ صَحِيحًا عَلِمَ كَذِبَهُمْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ ) أَيْ وَجَاءُوا فَوْقَ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَمَا يُقَالُ : جَاءُوا عَلَى جِمَالِهِمْ بِأَحْمَالٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ أَصْحَابُ الْعَرَبِيَّةِ وَهُمُ
الْفَرَّاءُ nindex.php?page=showalam&ids=15153وَالْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ nindex.php?page=showalam&ids=12590وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18بِدَمٍ كَذِبٍ ) أَيْ مَكْذُوبٍ فِيهِ ، إِلَّا أَنَّهُ وُصِفَ بِالْمَصْدَرِ عَلَى تَقْدِيرِ دَمٍ ذِي كَذِبٍ وَلَكِنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ كَذِبًا لِلْمُبَالَغَةِ ، قَالُوا : وَالْمَفْعُولُ وَالْفَاعِلُ يُسَمَّيَانِ بِالْمَصْدَرِ كَمَا يُقَالُ : مَاءٌ سَكْبٌ ، أَيْ مَسْكُوبٌ ، وَدِرْهَمٌ ضَرْبُ الْأَمِيرِ وَثَوْبٌ نَسْجُ الْيَمَنِ ، وَالْفَاعِلُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=30إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا ) [ الْمُلْكِ : 30 ] وَرَجُلٌ عَدْلٌ وَصَوْمٌ ، وَنِسَاءٌ نَوْحٌ ; وَلَمَّا سُمِّيَا بِالْمَصْدَرِ سُمِّيَ الْمَصْدَرُ أَيْضًا بِهِمَا فَقَالُوا لِلْعَقْلِ الْمَعْقُولُ ، وَلِلْجَلْدِ الْمَجْلُودُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=6بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ ) [ الْقَلَمِ : 6 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=7إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ) [ سَبَأٍ : 7 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=31895_32016قِصَّةُ يُوسُفَ كُلُّهَا فِي قَمِيصِهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَلْقَوْهُ فِي الْجُبِّ نَزَعُوا قَمِيصَهُ وَلَطَّخُوهُ بِالدَّمِ وَعَرَضُوهُ عَلَى أَبِيهِ ، وَلَمَّا شَهِدَ الشَّاهِدُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=26إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ ) [ يُوسُفَ : 26 ] وَلَمَّا أُتِيَ بِقَمِيصِهِ إِلَى
يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأُلْقِيَ عَلَى وَجْهِهِ ارْتَدَّ بَصِيرًا . ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ إِخْوَةَ
يُوسُفَ لَمَّا ذَكَرُوا ذَلِكَ الْكَلَامَ وَاحْتَجُّوا عَلَى صِدْقِهِمْ بِالْقَمِيصِ الْمُلَطَّخِ بِالدَّمِ قَالَ
يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ) .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : مَعْنَاهُ : بَلْ زَيَّنَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا . وَالتَّسْوِيلُ تَقْدِيرُ مَعْنًى فِي النَّفْسِ مَعَ الطَّمَعِ فِي إِتْمَامِهِ ، قَالَ
الْأَزْهَرِيُّ : كَأَنَّ التَّسْوِيلَ تَفْعِيلٌ مِنْ سُؤَالِ الْإِنْسَانِ ، وَهُوَ أُمْنِيَتُهُ الَّتِي يَطْلُبُهَا فَتُزَيِّنُ لِطَالِبِهَا الْبَاطِلَ وَغَيْرَهُ . وَأَصْلُهُ مَهْمُوزٌ غَيْرَ أَنَّ الْعَرَبَ اسْتَثْقَلُوا فِيهِ الْهَمْزَ . وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : " سَوَّلَتْ " سَهَّلَتْ مِنَ السَّوْلِ وَهُوَ الِاسْتِرْخَاءُ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18بَلْ ) رَدٌّ لِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=14أَكَلَهُ الذِّئْبُ ) كَأَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ ) فِي شَأْنِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=18أَمْرًا ) أَيْ زَيَّنَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا غَيْرَ مَا تَصِفُونَ ، وَاخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي بِهِ عَرَفَ كَوْنَهُمْ كَاذِبِينَ عَلَى وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ عَرَفَ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ الْحَسَدَ الشَّدِيدَ فِي قُلُوبِهِمْ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ حَيٌّ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ
لِيُوسُفَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=6وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ) [ يُوسُفَ : 6 ]
[ ص: 83 ] وَذَلِكَ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي ذَلِكَ .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : لَمَّا جَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ، وَمَا كَانَ مُتَخَرِّقًا ، قَالَ : كَذَبْتُمْ لَوْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ لَخَرَقَ قَمِيصَهُ ، وَعَنِ
السُّدِّيِّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ
يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : إِنَّ هَذَا الذِّئْبَ كَانَ رَحِيمًا ، فَكَيْفَ أَكَلَ لَحْمَهُ وَلَمْ يَخْرِقْ قَمِيصَهُ ؟ وَقِيلَ : إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ . فَقَالَ : كَيْفَ قَتَلُوهُ وَتَرَكُوا قَمِيصَهُ وَهُمْ إِلَى قَمِيصِهِ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى قَتْلِهِ ؟ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ عَرَفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ كَذِبَهُمْ .