( قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين )
قوله تعالى : ( وما كنا سارقين قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين )
قال البصريون : الواو في ( والله ) بدل من التاء ، والتاء بدل من الواو ، فضعفت عن التصرف في سائر الأسماء ، وجعلت فيما هو أحق بالقسم وهو اسم الله عز وجل .
قال المفسرون : حلفوا على أمرين :
أحدهما : على أنهم ما جاءوا لأجل الفساد في الأرض لأنه ظهر من أحواله امتناعهم من التصرف في أموال الناس بالكلية لا بالأكل ولا بإرسال الدواب في مزارع الناس ، حتى روي أنهم كانوا قد سدوا أفواه دوابهم لئلا تعبث في زرع ، وكانوا مواظبين على أنواع الطاعات ، ومن كانت هذه صفته فالفساد في الأرض لا يليق به .
والثاني : أنهم ما كانوا سارقين ، وقد حصل لهم فيه شاهد قاطع ، وهو أنهم لما وجدوا بضاعتهم في رحالهم حملوها من بلادهم إلى مصر ولم يستحلوا أخذها ، والسارق لا يفعل ذلك البتة ثم لما بينوا براءتهم عن تلك التهمة قال أصحاب يوسف عليه السلام : ( فما جزاؤه إن كنتم كاذبين ) فأجابوا و ( قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ) ، قال : كانوا في ذلك الزمان يستعبدون كل سارق بسرقته ، وكان استعباد السارق في شرعهم يجري مجرى وجوب القطع في شرعنا ، والمعنى جزاء هذا الجرم من وجد المسروق في رحله ، أي ذلك الشخص هو جزاء ذلك الجرم ، والمعنى : أن استعباده هو جزاء ذلك الجرم ، قال ابن عباس الزجاج : وفيه وجهان :
أحدهما : أن يقال : ( جزاؤه ) مبتدأ ، و ( من وجد في رحله ) خبره . والمعنى : هو الإنسان الذي وجد في رحله السرقة ، ويكون قوله : ( جزاء السرقة فهو جزاؤه ) زيادة في البيان كما تقول : جزاء السارق القطع فهو جزاؤه .
الثاني : أن يقال : ( جزاؤه ) مبتدأ وقوله : ( من وجد في رحله فهو جزاؤه ) جملة وهي في موضع خبر المبتدأ . والتقدير : كأنه قيل : جزاؤه من وجد في رحله فهو هو ، إلا أنه أقام المضمر للتأكيد والمبالغة في البيان وأنشد النحويون :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
وأما قوله : ( كذلك نجزي الظالمين ) أي مثل هذا الجزاء جزاء الظالمين يريد إذا سرق استرق ، ثم قيل : هذا من بقية كلام أخوة يوسف . وقيل : إنهم لما قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ، فقال أصحاب يوسف : ( كذلك نجزي الظالمين ) .