النوع الثالث من الدلائل المذكورة في هذه الآية : الرعد ، وهو قوله : ( ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ) وفيه أقوال :
القول الأول : أن ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : " الرعد اسم ملك من الملائكة ، وهذا الصوت المسموع هو صوت ذلك الملك بالتسبيح والتهليل اليهود سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد ما هو؟ فقال : ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله " قالوا : فما الصوت الذي نسمع؟ قال : زجره السحاب ، وعن أن الحسن أنه خلق من خلق الله ليس بملك ، فعلى هذا القول الرعد هو الملك الموكل بالسحاب وصوته تسبيح لله تعالى ، وذلك الصوت أيضا يسمى بالرعد ، ويؤكد هذا ما روي عن رضي الله عنهما : كان إذا سمع الرعد قال : سبحان الذي سبحت له ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ابن عباس . إن الله ينشئ السحاب الثقال ، فينطق أحسن النطق ، ويضحك أحسن الضحك ، فنطقه الرعد ، وضحكه البرق
واعلم أن هذا القول غير مستبعد ، وذلك لأن عند أهل السنة : البنية ليست شرطا لحصول الحياة فلا يبعد من الله تعالى أن يخلق الحياة والعلم والقدرة والنطق في أجزاء السحاب ، فيكون هذا الصوت المسموع فعلا له ، وكيف يستبعد ذلك ونحن نرى أن السمندل يتولد في النار ، والضفادع تتولد في الماء البارد ، والدودة العظيمة ربما تتولد في الثلوج القديمة؟ وأيضا فإذا لم يبعد داود عليه السلام ، ولا تسبيح الجبال في زمن محمد صلى الله عليه وسلم ، فكيف يستبعد تسبيح الحصى في زمان وعلى هذا القول فهذا الشيء المسمى بالرعد ملك أو ليس بملك ، فيه قولان : تسبيح السحاب؟
أحدهما : أنه ليس بملك لأنه عطف عليه الملائكة ، فقال : ( والملائكة من خيفته ) والمعطوف عليه مغاير للمعطوف.
والثاني : وهو أنه لا يبعد أن يكون من جنس الملائكة وإنما إفراده بالذكر على سبيل التشريف كما في قوله : ( وملائكته ورسله وجبريل وميكال ) [البقرة : 98] وفي قوله : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ) [الأحزاب : 70].
القول الثاني : أن الرعد اسم لهذا الصوت المخصوص ، ومع ذلك فإن ؛ لأن التسبيح والتقديس وما يجري مجراهما ليس إلا وجود لفظ يدل على حصول التنزيه والتقديس لله سبحانه [ ص: 22 ] وتعالى ، فلما كان حدوث هذا الصوت دليلا على وجود موجود متعال عن النقص والإمكان ، كان ذلك في الحقيقة تسبيحا ، وهو معنى قوله تعالى : ( الرعد يسبح الله سبحانه وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) [الإسراء : 44].
القول الثالث : أن المراد من كون الرعد مسبحا أن من يسمع الرعد فإنه يسبح الله تعالى ، فلهذا المعنى أضيف هذا التسبيح إليه.
القول الرابع : من كلمات الصوفية الرعد صعقات الملائكة ، والبرق زفرات أفئدتهم ، والمطر بكاؤهم.
فإن قيل : وما حقيقة الرعد؟
قلنا : استقصينا القول في سورة "البقرة" في قوله : ( فيه ظلمات ورعد وبرق ) [البقرة : 19].
أما قوله : ( والملائكة من خيفته ) فاعلم أن من المفسرين من يقول : عنى بهؤلاء الملائكة أعوان الرعد ، فإنه سبحانه جعل له أعوانا ، ومعنى قوله : ( والملائكة من خيفته ) أي ، قال وتسبح الملائكة من خيفة الله تعالى وخشيته رضي الله عنهما : إنهم خائفون من الله لا كخوف ابن آدم ، فإن أحدهم لا يعرف من على يمينه ومن على يساره ، ولا يشغله عن عبادة الله طعام ولا شراب ولا شيء . ابن عباس
واعلم أن المحققين من الحكماء يذكرون أن هذه الآثار العلوية إنما تتم بقوى روحانية فلكية ، فللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره ، وكذا القول في الرياح وفي سائر الآثار العلوية ، وهذا عين ما نقلناه من أن الرعد اسم ملك من الملائكة يسبح الله ، فهذا الذي قاله المفسرون بهذه العبارة هو ما ذكره المحققون عن الحكماء ، فكيف يليق بالعاقل الإنكار؟