أما قوله : ( وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ) أي عادة هؤلاء [ ص: 129 ] الجهال مع جميع ذلك الاستهزاء بهم كما فعلوا بك ذكره تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم . الأنبياء والرسل
واعلم أن السبب الذي يحمل هؤلاء الجهال على هذه العادة الخبيثة أمور :
الأول : أنهم يستثقلون التزام الطاعات والعبادات والاحتراز عن الطيبات واللذات .
والثاني : أن الرسول يدعوهم إلى ترك ما ألفوه من أديانهم الخبيثة ومذاهبهم الباطلة ، وذلك شاق شديد على الطباع .
والثالث : أن الرسول متبوع مخدوم والأقوام يجب عليهم طاعته وخدمته ، وذلك أيضا في غاية المشقة .
والرابع : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يكون فقيرا ولا يكون له أعوان وأنصار ، ولا مال ولا جاه فالمتنعمون ، والرؤساء يثقل عليهم خدمة من يكون بهذه الصفة .
والخامس : خذلان الله لهم ، وإلقاء دواعي الكفر والجهل في قلوبهم ، وهذا هو السبب الأصلي ; فلهذه الأسباب وما يشبهها تقع الجهال والضلال مع أكابر الأنبياء عليهم السلام في هذه الأعمال القبيحة والأفعال المنكرة .