( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين ) .
قوله تعالى : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين ) .
اعلم أنه تعالى لما صبره على أذى قومه ، وأمره بأن يصفح الصفح الجميل أتبع ذلك بذكر محمدا صلى الله عليه وسلم بها ; لأن الإنسان إذا تذكر كثرة نعم الله عليه سهل عليه الصفح والتجاوز ، وفي الآية مسائل : النعم العظيمة التي خص الله تعالى
المسألة الأولى : اعلم أن قوله : ( آتيناك سبعا ) يحتمل أن يكون سبعا من الآيات ، وأن يكون سبعا من السور ، وأن يكون سبعا من الفوائد . وليس في اللفظ ما يدل على التعيين . وأما المثاني : فهو صيغة جمع ، واحده مثناة ، والمثناة كل شيء يثنى ، أي : يجعل اثنين من قولك : ثنيت الشيء إذا عطفته أو ضممت إليه آخر ، ومنه يقال : لركبتي الدابة ومرفقيها مثاني ; لأنها تثنى بالفخذ والعضد ، ومثاني الوادي معاطفه .
إذا عرفت هذا فنقول : سبعا من المثاني مفهومه سبعة أشياء من جنس الأشياء التي تثنى ولا شك أن هذا القدر مجمل ، ولا سبيل إلى تعيينه إلا بدليل منفصل وللناس فيه أقوال :
الأول : وهو قول أكثر المفسرين : إنه فاتحة الكتاب وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي هريرة والحسن وأبي العالية ومجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة ، وروي السبع المثاني رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الفاتحة ، وقال : هي ، والسبب في وقوع هذا الاسم على الفاتحة أنها سبع آيات ، وأما أبو هريرة فوجوه : السبب في تسميتها بالمثاني
الأول : أنها تثنى في كل صلاة بمعنى أنها تقرأ في كل ركعة .
والثاني : قال الزجاج : سميت مثاني ; لأنها يثنى بعدها ما يقرأ معها .
الثالث : سميت آيات الفاتحة مثاني ; لأنها قسمت قسمين اثنين ، والدليل عليه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " والحديث مشهور . يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين
الرابع : سميت مثاني ; لأنها قسمان ثناء ودعاء ، وأيضا النصف الأول منها حق الربوبية وهو الثناء ، والنصف الثاني حق العبودية وهو الدعاء .
الخامس : سميت الفاتحة بالمثاني ; لأنها نزلت مرتين مرة بمكة في أوائل ما نزل من القرآن ومرة بالمدينة .
السادس : سميت بالمثاني ; لأن كلماتها مثناة مثل : "الرحمن الرحيم ، إياك نعبد وإياك نستعين ، اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم" وفي قراءة عمر : "غير المغضوب عليهم وغير الضالين" .
[ ص: 165 ] السابع : قال الزجاج : سميت الفاتحة بالمثاني ; لاشتمالها على الثناء على الله تعالى وهو حمد الله وتوحيده وملكه .