يراوح من صلوات المليـ ـك طورا سجودا وطورا جؤارا
والمعنى : أنه تعالى بين أن ، ثم إذا اتفق لأحد مضرة توجب زوال شيء من تلك النعم فإلى الله يجأر ، أي : لا يستغيث أحدا إلا الله تعالى لعلمه بأنه لا مفزع للخلق إلا هو ، فكأنه تعالى قال لهم : فأين أنتم عن هذه الطريقة في حال الرخاء والسلامة ، ثم قال بعده : ( جميع النعم من الله تعالى ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ) فبين تعالى أن عند كشف الضر وسلامة الأحوال يفترقون ، ففريق منهم يبقى على مثل ما كان عليه عند الضر في أن لا يفزع إلا إلى الله تعالى ، وفريق منهم عند ذلك يتغيرون فيشركون بالله غيره ، وهذا جهل وضلال ، لأنه لما شهدت فطرته الأصلية وخلقته الغريزية ، فعند زوال البلاء والضراء وجب أن يبقى على ذلك الاعتقاد ، فأما أنه عند نزول البلاء يقر بأنه لا مستغاث إلا الله تعالى ، وعند زوال البلاء يثبت الأضداد والشركاء ، فهذا جعل عظيم وضلال كامل . ونظير هذه الآية قوله تعالى : ( عند نزول البلاء والضراء والآفات والمخافات أن لا مفزع إلا إلى الواحد ولا مستغاث إلا الواحد فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) [ العنكبوت : 65 ] .
ثم قال تعالى : ( ليكفروا بما آتيناهم ) وفي هذه اللام وجهان :
الأول : أنها لام كي والمعنى أنهم أشركوا بالله غيره في كشف ذلك الضر عنهم . وغرضهم من ذلك الإشراك أن ينكروا كون ذلك الإنعام من الله تعالى ، ألا ترى أن العليل إذا اشتد وجعه تضرع إلى الله تعالى في إزالة ذلك الوجع ، فإذا زال أحال زواله على الدواء الفلاني والعلاج الفلاني ، وهذا أكثر أحوال الخلق . وقال مصنف هذا الكتاب محمد بن عمر الرازي رحمه الله : في اليوم الذي كنت أكتب هذه الأوراق - وهو اليوم الأول من محرم ، سنة اثنتين وستمائة - حصلت زلزلة شديدة وهدة عظيمة وقت الصبح ورأيت الناس يصيحون بالدعاء والتضرع ، فلما سكتت وطاب [ ص: 43 ] الهواء وحسن أنواع الوقت ، نسوا في الحال تلك الزلزلة ، وعادوا إلى ما كانوا عليه من تلك السفاهة والجهالة ، وكأن هذه الحالة التي شرحها الله تعالى في هذه الآية ، تجري مجرى الصفة اللازمة لجوهر نفس الإنسان .
والقول الثاني : أن هذه اللام لام العاقبة كقوله تعالى ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) [ القصص : 8 ] يعني : أن عاقبة تلك التضرعات ما كانت إلا هذا الكفر .
واعلم أن المراد بقوله ( بما آتيناهم ) فيه قولان :
الأول : أنه عبارة عن كشف الضر وإزالة المكروه .
والثاني : قال بعضهم : المراد به القرآن وما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من النبوة والشرائع .
واعلم أنه تعالى توعدهم بعد ذلك فقال : ( فتمتعوا ) وهذا لفظ أمر ، والمراد منه التهديد ، كقوله : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) [ الكهف : 29 ] وقوله : ( قل آمنوا به أو لا تؤمنوا ) [ الإسراء : 107 ] .
ثم قال تعالى : ( فسوف تعلمون ) أي : عاقبة أمركم وما ينزل بكم من العذاب ، والله أعلم .