( قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا )
[ ص: 161 ] قوله تعالى ( قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا )
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في قوله : ( قال ربك هو علي هين ) وجوه :
أحدها : أن الكاف رفع أي : الأمر كذلك تصديقا له ثم ابتدأ قال ربك .
وثانيها : نصب ، يقال وذلك إشارة إلى مبهم تفسيره هو علي هين ، وهو كقوله تعالى : ( وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ) ( الحجر : 66 ) .
وثالثها : أن المراد : لا تعجب فإنه كذلك قال ربك لا خلف في قوله ولا غلط ثم قال بعده هو علي هين بدليل خلقتك من قبل ولم تك شيئا .
ورابعها : أنا ذكرنا أن قوله ( أنى يكون لي غلام ) معناه تعطيني الغلام بأن تجعلني وزوجتي شابين أو بأن تتركنا على الشيخوخة ومع ذلك تعطينا الولد ، وقوله : ( كذلك قال ربك ) أي : نهب الولد مع بقائك وبقاء زوجتك على الحاصلة في الحال .
المسألة الثانية : قرأ الحسن ( وهو علي هين ) وهذا لا يخرج إلا على الوجه الأول أي : الأمر كما قلت ولكن قال ربك هو مع ذلك علي هين .
المسألة الثالثة : مجاز ؛ لأن ذلك إنما يجوز في حق من يجوز أن يصعب عليه شيء ولكن المراد أنه إذا أراد شيئا كان . إطلاق لفظ الهين في حق الله تعالى
المسألة الرابعة : في وجه الاستدلال بقوله تعالى : ( وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ) فنقول : إنه لما خلقه من العدم الصرف والنفي المحض كان قادرا على خلق الذوات والصفات والآثار وأما الآن فخلق الولد من الشيخ والشيخة لا يحتاج فيه إلا إلى تبديل الصفات ، وإذا أوجده عن عدم فكذا يرزقه الولد بأن يعيد إليه وإلى صاحبته القوة التي عنها يتولد الماءان اللذان من اجتماعهما يخلق الولد ولذلك قال : ( والقادر على خلق الذوات والصفات والآثار معا أولى أن يكون قادرا على تبديل الصفات فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه ) ( الأنبياء : 90 ) فهذا وجه الاستدلال .
المسألة الخامسة : الجمهور على أن قوله ( قال كذلك قال ربك ) يقتضي أن القائل لذلك ملك مع الاعتراف بأن قوله : ( يازكريا إنا نبشرك ) قول الله تعالى ، وقوله : ( هو علي هين ) قول الله تعالى وهذا بعيد ؛ لأنه إذا كان ما قبل هذا الكلام وما بعده قول الله تعالى فكيف يصح إدراج هذه الألفاظ فيما بين هذين القولين ؟ ، والأولى أن يقال : قائل هذا القول أيضا هو الله تعالى كما أن الملك العظيم إذا وعد عبده شيئا عظيما فيقول العبد : من أين يحصل لي هذا ؟ فيقول إن سلطانك ضمن لك ذلك ، كأنه ينبه بذلك على أن كونه سلطانا مما يوجب عليه الوفاء بالوعد فكذا ههنا .