[ ص: 200 ]   ( أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا    ) . 
قوله تعالى : ( أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم  وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا    ) . 
اعلم أنه تعالى أثنى على كل واحد ممن تقدم ذكره من الأنبياء بما يخصه من الثناء ثم جمعهم آخرا فقال : ( أولئك الذين أنعم الله عليهم    ) أي بالنبوة وغيرها مما تقدم وصفه ، وأولئك إشارة إلى المذكورين في السورة من لدن زكريا  إلى إدريس  ، ثم جمعهم في كونهم من ذرية آدم  ثم خص بعضهم بأنه من ذرية من حمل مع نوح  ، والذي يختص بأنه من ذرية آدم  دون من حمل مع نوح  هو إدريس    - عليه السلام - فقد كان سابقا على نوح  على ما ثبت في الأخبار والذين هم من ذرية من حمل مع نوح  هو إبراهيم    - عليه السلام - لأنه من ولد سام بن نوح  وإسماعيل  وإسحاق  ويعقوب  من ذرية إبراهيم  ، ثم خص بعضهم بأنهم من ولد إسرائيل  أي يعقوب    : وهم موسى  وهارون  وزكريا  ويحيى  وعيسى  من قبل الأم ، فرتب الله سبحانه وتعالى أحوال الأنبياء عليهم السلام الذين ذكرهم على هذا الترتيب منبها بذلك على أنهم كما فضلوا بأعمالهم فلهم مزيد في الفضل بولادتهم من هؤلاء الأنبياء ، ثم بين أنهم ممن هدينا واجتبينا منبها بذلك على أنهم اختصوا بهذه المنازل لهداية الله تعالى لهم ، ولأنه اختارهم للرسالة ، ثم قال : ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا    ) تتلى عليهم أي على هؤلاء الأنبياء فبين تعالى أنهم مع نعم الله عليهم قد بلغوا الحد الذي عند تلاوة آيات الله يخرون سجدا وبكيا خضوعا وخشوعا وحذرا وخوفا ، والمراد بآيات الله ما خصهم الله تعالى به من الكتب المنزلة عليهم . وقال أبو مسلم    : المراد بالآيات التي فيها ذكر العذاب المنزل بالكفار وهو بعيد ؛ لأن سائر الآيات التي فيها ذكر الجنة والنار إلى غير ذلك أولى أن يسجدوا عنده ويبكوا ، فيجب حمله على كل آية تتلى مما يتضمن الوعد والوعيد والترغيب والترهيب ؛ لأن كل ذلك إذا فكر فيه المتفكر صح أن يسجد عنده وأن يبكي ، واختلفوا فقال بعضهم في السجود : إنه الصلاة وقال بعضهم : المراد سجود التلاوة على حسب ما تعبدنا به وقيل : المراد الخضوع والخشوع والظاهر يقتضي سجودا مخصوصا عند التلاوة ، ثم يحتمل أن يكون المراد سجود التلاوة للقرآن ، ويحتمل أنهم عند الخوف كانوا قد تعبدوا بالسجود فيفعلون ذلك لا لأجل ذكر السجود في الآية ، قال الزجاج  في بكيا : جمع باك مثل شاهد وشهود وقاعد وقعود . . ثم قال : الإنسان في حال خروره لا يكون ساجدا فالمراد خروا مقدرين للسجود ، ومن قال في بكيا إنه مصدر فقد أخطأ ؛ لأن سجدا جمع ساجد ، وبكيا معطوف عليه وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا    " وعن  صالح المري  قال : قرأت القرآن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقال لي : يا صالح  هذه القراءة فأين البكاء ؟ وعن  ابن عباس    - رضي الله عنهما - إذا قرأتم سجدة سبحان فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه   . وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " القرآن نزل بحزن فاقرءوه بحزن    " وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما اغرورقت عين به بماء إلا حرم الله على النار جسدها   " وعن  أبي هريرة  رضي الله عنه : " لا يلج النار من بكى من خشية الله    " وقال العلماء : يدعو في سجود التلاوة بما يليق بها  فإن قرأ آية ( تنزيل) السجدة قال : اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين   [ ص: 201 ] بحمدك وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك وإن قرأ سجدة سبحان قال : اللهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك ، وإن قرأ هذه السجدة قال : اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم المهتدين الساجدين لك الباكين عند تلاوة آيات كتابك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					