المسألة الثالثة : احتج القائلون بجواز
nindex.php?page=treesubj&link=21378_28751الذنب على الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية من وجوه :
أحدها : أن أكثر المفسرين على أنه ذهب
يونس مغاضبا لربه ، ويقال : هذا قول
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس والحسن nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ووهب ، واختيار
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة nindex.php?page=showalam&ids=16935ومحمد بن جرير ؛ فإذا كان كذلك فيلزم أن مغاضبته لله تعالى من أعظم الذنوب ، ثم على تقدير أن هذه المغاضبة لم تكن مع الله تعالى بل كانت مع ذلك الملك أو مع القوم ، فهو أيضا كان محظورا ؛ لأن الله تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=48فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت ) [ القلم : 48 ] وذلك يقتضي أن ذلك الفعل من
يونس كان محظورا .
وثانيها قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87فظن أن لن نقدر عليه ) وذلك يقتضي كونه شاكا في قدرة الله تعالى .
وثالثها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87إني كنت من الظالمين ) والظلم من أسماء الذم ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=18ألا لعنة الله على الظالمين ) [ هود : 18 ] .
ورابعها : أنه لو لم يصدر منه الذنب ، فلم عاقبه الله بأن ألقاه في بطن الحوت؟ .
وخامسها : قوله تعالى في آية أخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=142فالتقمه الحوت وهو مليم ) [ الصافات : 142 ] ، والمليم هو ذو الملامة ، ومن كان كذلك فهو مذنب .
وسادسها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=48ولا تكن كصاحب الحوت ) فإن لم يكن صاحب الحوت مذنبا لم يجز النهي عن التشبه به ، وإن كان مذنبا فقد حصل الغرض .
وسابعها : أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=48ولا تكن كصاحب الحوت ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=35فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) [ الأحقاف : 35 ] ؛ فلزم أن لا يكون
يونس من أولي العزم ، وكان
موسى من أولي العزم ، ثم قال : في حقه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013252لو كان ابن عمران حيا ما وسعه إلا اتباعي وقال في
يونس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013253لا تفضلوني على يونس بن متى وهذا خارج عن تفسير الآية ، والجواب عن الأول أنه ليس في الآية من غاضبه ، لكنا نقطع على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=21382_21383لا يجوز على نبي الله أن يغاضب ربه ؛ لأن ذلك صفة من يجهل كون الله مالكا للأمر والنهي , والجاهل بالله لا يكون مؤمنا فضلا عن أن يكون نبيا ، وأما ما روي أنه خرج مغاضبا لأمر يرجع إلى الاستعداد ، وتناول النفل ، فمما يرتفع حال الأنبياء عليهم السلام عنه ؛ لأن الله تعالى إذا أمرهم بشيء فلا يجوز أن يخالفوه لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=36وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) [ الأحزاب : 36 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) [ النساء : 65 ] إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت )
[ ص: 186 ] [ النساء : 65 ] فإذا كان في الاستعداد مخالفة لم يجز أن يقع ذلك منهم ، وإذا ثبت أنه لا يجوز صرف هذه المغاضبة إلى الله تعالى ، وجب أن يكون المراد أنه خرج مغاضبا لغير الله ، والغالب أنه إنما يغاضب من يعصيه فيما يأمره به فيحتمل قومه أو الملك أو هما جميعا ، ومعنى مغاضبته لقومه أنه أغضبهم بمفارقته لخوفهم حلول العذاب عليهم عندها ، وقرأ
أبو شرف "مغضبا" .
أما قوله : مغاضبة القوم أيضا كانت محظورة ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=48ولا تكن كصاحب الحوت ) قلنا : لا نسلم أنها كانت محظورة ، فإن الله تعالى أمره بتبليغ تلك الرسالة إليهم ، وما أمره بأن يبقى معهم أبدا فظاهر الأمر لا يقتضي التكرار ، فلم يكن خروجه من بينهم معصية ، وأما الغضب فلا نسلم أنه معصية ، وذلك لأنه لما لم يكن منهيا عنه قبل ذلك ، فظن أن ذلك جائز ، من حيث إنه لم يفعله إلا غضبا لله تعالى ، وأنفة لدينه ، وبغضا للكفر وأهله ، بل كان الأولى له أن يصابر وينتظر الإذن من الله تعالى في المهاجرة عنهم ، ولهذا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=48ولا تكن كصاحب الحوت ) كأن الله تعالى أراد
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل المنازل وأعلاها .
والجواب عن الشبهة الثانية : وهي التمسك بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87فظن أن لن نقدر عليه ) أن نقول
nindex.php?page=treesubj&link=29624من ظن عجز الله تعالى فهو كافر ، ولا خلاف أنه لا يجوز نسبة ذلك إلى آحاد المؤمنين ، فكيف إلى الأنبياء عليهم السلام ، فإذن لا بد فيه من التأويل وفيه وجوه :
أحدها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87فظن أن لن نقدر عليه ) لن نضيق عليه ، وهو كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=62الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ) [ العنكبوت : 62 ] أي يضيق : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7ومن قدر عليه رزقه ) [الطلاق : 7 ] أي ضيق : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=16وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ) [ الفجر : 16 ] أي ضيق ومعناه أن لن نضيق عليه .
واعلم أن على هذا التأويل تصير الآية حجة لنا ، وذلك لأن
يونس عليه السلام ظن أنه مخير إن شاء أقام وإن شاء خرج ، وأنه تعالى لا يضيق عليه في اختياره ، وكان في المعلوم أن الصلاح في تأخر خروجه ، وهذا من الله تعالى بيان لما يجري مجرى العذر له من حيث خرج ، لا على تعمد المعصية ، لكن لظنه أن الأمر في خروجه موسع يجوز أن يقدم ويؤخر ، وكان الصلاح خلاف ذلك .
وثانيها : أن يكون هذا من باب التمثيل ، بمعنى فكانت حالته ممثلة بحالة من ظن أن لن نقدر عليه في خروجه من قومه من غير انتظار لأمر الله تعالى .
وثالثها : أن تفسر القدرة بالقضاء ، فالمعنى فظن أن لن نقضي عليه بشدة ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي ، ورواية
العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهم - واختيار
الفراء والزجاج ، قال
الزجاج : "نقدر" بمعنى نقدر . يقال : قدر الله الشيء قدرا وقدره تقديرا ، فالقدر بمعنى التقدير ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري : " فظن أن لن نقدر عليه " بضم النون والتشديد ؛ من التقدير ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير بالتشديد على المجهول وقرأ
يعقوب : " يقدر عليه " بالتخفيف على المجهول .
وروي أنه دخل
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - على
معاوية رضي الله عنه ، فقال
معاوية : لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها ، فلم أجد لنفسي خلاصا إلا بك فقال : وما هي ؟ قال : يظن نبي الله أن لن يقدر الله عليه ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - هذا من القدر لا من القدرة .
ورابعها : أن لن نقدر : أي فظن أن لن نفعل ؛ لأن بين القدرة والفعل مناسبة فلا يبعد جعل أحدهما مجازا عن الآخر .
وخامسها : أنه استفهام بمعنى التوبيخ ، معناه أفظن أن لن نقدر عليه عن
ابن زيد .
وسادسها : أن على قول من يقول : هذه الواقعة كانت قبل رسالة
يونس عليه السلام كان هذا الظن حاصلا قبل الرسالة ، ولا يبعد في حق غير الأنبياء والرسل أن يسبق ذلك إلى وهمه بوسوسة الشيطان ، ثم إنه يرده بالحجة والبرهان .
والجواب عن الثالث : وهو التمسك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87إني كنت من الظالمين ) فهو أن نقول : إنا لو حملناه على ما قبل النبوة فلا كلام ، ولو حملناه على ما بعدها فهي واجبة
[ ص: 187 ] التأويل ؛ لأنا لو أجريناها على ظاهرها ، لوجب القول بكون النبي مستحقا للعن ، وهذا لا يقوله مسلم ، وإذا وجب التأويل فنقول : لا شك أنه
nindex.php?page=treesubj&link=21377كان تاركا للأفضل مع القدرة على تحصيل الأفضل ، فكان ذلك ظلما .
والجواب عن الرابع : أنا لا نسلم أن ذلك كان عقوبة إذ
nindex.php?page=treesubj&link=30173_28751الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا ، بل المراد به المحنة ، لكن كثير من المفسرين يذكرون في كل مضرة تفعل لأجل ذنب أنها عقوبة .
والجواب عن الخامس : أن الملامة كانت بسبب ترك الأفضل .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=21378_28751الذَّنْبِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ ذَهَبَ
يُونُسُ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ ، وَيُقَالُ : هَذَا قَوْلُ
ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَوَهْبٍ ، وَاخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنِ قُتَيْبَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ ؛ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَلْزَمُ أَنَّ مُغَاضَبَتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ ، ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ هَذِهِ الْمُغَاضَبَةَ لَمْ تَكُنْ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ كَانَتْ مَعَ ذَلِكَ الْمَلِكِ أَوْ مَعَ الْقَوْمِ ، فَهُوَ أَيْضًا كَانَ مَحْظُورًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=48فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ) [ الْقَلَمِ : 48 ] وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ مِنْ
يُونُسَ كَانَ مَحْظُورًا .
وَثَانِيهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ شَاكًّا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) وَالظُّلْمُ مِنْ أَسْمَاءِ الذَّمِّ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=18أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) [ هُودٍ : 18 ] .
وَرَابِعُهَا : أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ الذَّنْبُ ، فَلِمَ عَاقَبَهُ اللَّهُ بِأَنْ أَلْقَاهُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ؟ .
وَخَامِسُهَا : قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=142فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ) [ الصَّافَّاتِ : 142 ] ، وَالْمُلِيمُ هُوَ ذُو الْمَلَامَةِ ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُذْنِبٌ .
وَسَادِسُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=48وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْحُوتِ مُذْنِبًا لَمْ يَجُزِ النَّهْيُ عَنِ التَّشَبُّهِ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُذْنِبًا فَقَدْ حَصَلَ الْغَرَضُ .
وَسَابِعُهَا : أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=48وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=35فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) [ الْأَحْقَافِ : 35 ] ؛ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ
يُونُسُ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ ، وَكَانَ
مُوسَى مِنْ أُولِي الْعَزْمِ ، ثُمَّ قَالَ : فِي حَقِّهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013252لَوْ كَانَ ابْنُ عِمْرَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي وَقَالَ فِي
يُونُسَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013253لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ تَفْسِيرِ الْآيَةِ ، وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَنْ غَاضَبَهُ ، لَكِنَّا نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=21382_21383لَا يَجُوزُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ أَنْ يُغَاضِبَ رَبَّهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صِفَةُ مَنْ يَجْهَلُ كَوْنَ اللَّهِ مَالِكًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ , وَالْجَاهِلُ بِاللَّهِ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّهُ خَرَجَ مُغَاضِبًا لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إِلَى الِاسْتِعْدَادِ ، وَتَنَاوُلِ النَّفْلِ ، فَمِمَّا يَرْتَفِعُ حَالُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَمَرَهُمْ بِشَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفُوهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=36وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) [ الْأَحْزَابِ : 36 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) [ النِّسَاءِ : 65 ] إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ )
[ ص: 186 ] [ النِّسَاءِ : 65 ] فَإِذَا كَانَ فِي الِاسْتِعْدَادِ مُخَالَفَةٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ هَذِهِ الْمُغَاضَبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ خَرَجَ مُغَاضِبًا لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُغَاضِبُ مَنْ يَعْصِيهِ فِيمَا يَأْمُرُهُ بِهِ فَيَحْتَمِلُ قَوْمَهُ أَوِ الْمَلِكَ أَوْ هُمَا جَمِيعًا ، وَمَعْنَى مُغَاضَبَتِهِ لِقَوْمِهِ أَنَّهُ أَغْضَبَهُمْ بِمُفَارَقَتِهِ لِخَوْفِهِمْ حُلُولَ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ عِنْدَهَا ، وَقَرَأَ
أَبُو شَرَفٍ "مُغْضَبًا" .
أَمَّا قَوْلُهُ : مُغَاضَبَةُ الْقَوْمِ أَيْضًا كَانَتْ مَحْظُورَةً ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=48وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ) قُلْنَا : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا كَانَتْ مَحْظُورَةً ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِتَبْلِيغِ تِلْكَ الرِّسَالَةِ إِلَيْهِمْ ، وَمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَبْقَى مَعَهُمْ أَبَدًا فَظَاهِرُ الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ ، فَلَمْ يَكُنْ خُرُوجُهُ مِنْ بَيْنِهِمْ مَعْصِيَةً ، وَأَمَّا الْغَضَبُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَنْهِيًّا عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ إِلَّا غَضَبًا لِلَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَفَةً لِدِينِهِ ، وَبُغْضًا لِلْكُفْرِ وَأَهْلِهِ ، بَلْ كَانَ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُصَابِرَ وَيَنْتَظِرَ الْإِذْنَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُهَاجَرَةِ عَنْهُمْ ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=48وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ) كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ الْمَنَازِلِ وَأَعْلَاهَا .
وَالْجَوَابُ عَنِ الشُّبْهَةِ الثَّانِيَةِ : وَهِيَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) أَنْ نَقُولَ
nindex.php?page=treesubj&link=29624مَنْ ظَنَّ عَجْزَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَافِرٌ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَى آحَادِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَكَيْفَ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، فَإِذَنْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّأْوِيلِ وَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=62اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 62 ] أَيْ يُضَيِّقُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ) [الطَّلَاقِ : 7 ] أَيْ ضُيِّقَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=16وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) [ الْفَجْرِ : 16 ] أَيْ ضَيَّقَ وَمَعْنَاهُ أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَصِيرُ الْآيَةُ حُجَّةً لَنَا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ظَنَّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ أَقَامَ وَإِنْ شَاءَ خَرَجَ ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ فِي اخْتِيَارِهِ ، وَكَانَ فِي الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّلَاحَ فِي تَأَخُّرِ خُرُوجِهِ ، وَهَذَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بَيَانٌ لِمَا يَجْرِي مَجْرَى الْعُذْرِ لَهُ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ ، لَا عَلَى تَعَمُّدِ الْمَعْصِيَةِ ، لَكِنْ لِظَنِّهِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي خُرُوجِهِ مُوَسَّعٌ يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَ وَيُؤَخِّرَ ، وَكَانَ الصَّلَاحُ خِلَافَ ذَلِكَ .
وَثَانِيهَا : أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ ، بِمَعْنَى فَكَانَتْ حَالَتُهُ مُمَثَّلَةً بِحَالَةِ مَنْ ظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فِي خُرُوجِهِ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارٍ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَثَالِثُهَا : أَنْ تُفَسَّرَ الْقُدْرَةُ بِالْقَضَاءِ ، فَالْمَعْنَى فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْضِيَ عَلَيْهِ بِشِدَّةٍ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَالْكَلْبِيِّ ، وَرِوَايَةُ
الْعَوْفِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَاخْتِيَارُ
الْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : "نَقْدِرَ" بِمَعْنَى نُقَدِّرُ . يُقَالُ : قَدَرَ اللَّهُ الشَّيْءَ قَدْرًا وَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ، فَالْقَدْرُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ : " فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُقَدِّرَ عَلَيْهِ " بِضَمِّ النُّونِ وَالتَّشْدِيدِ ؛ مِنَ التَّقْدِيرِ ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى الْمَجْهُولِ وَقَرَأَ
يَعْقُوبُ : " يُقْدَرُ عَلَيْهِ " بِالتَّخْفِيفِ عَلَى الْمَجْهُولِ .
وَرُوِيَ أَنَّهُ دَخَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى
مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ : لَقَدْ ضَرَبَتْنِي أَمْوَاجُ الْقُرْآنِ الْبَارِحَةَ فَغَرِقْتُ فِيهَا ، فَلَمْ أَجِدْ لِنَفْسِي خَلَاصًا إِلَّا بِكَ فَقَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : يَظُنُّ نَبِيُّ اللَّهِ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ اللَّهُ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هَذَا مِنَ الْقَدْرِ لَا مِنَ الْقُدْرَةِ .
وَرَابِعُهَا : أَنْ لَنْ نَقْدِرَ : أَيْ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَفْعَلَ ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْقُدْرَةِ وَالْفِعْلِ مُنَاسِبَةً فَلَا يَبْعُدُ جَعْلُ أَحَدِهِمَا مَجَازًا عَنِ الْآخَرِ .
وَخَامِسُهَا : أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى التَّوْبِيخِ ، مَعْنَاهُ أَفَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ عَنِ
ابْنِ زَيْدٍ .
وَسَادِسُهَا : أَنَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : هَذِهِ الْوَاقِعَةُ كَانَتْ قَبْلَ رِسَالَةِ
يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ هَذَا الظَّنُّ حَاصِلًا قَبْلَ الرِّسَالَةِ ، وَلَا يَبْعُدُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ أَنْ يَسْبِقَ ذَلِكَ إِلَى وَهْمِهِ بِوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ ، ثُمَّ إِنَّهُ يَرُدُّهُ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ : وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) فَهُوَ أَنْ نَقُولَ : إِنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ فَلَا كَلَامَ ، وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا بَعْدَهَا فَهِيَ وَاجِبَةُ
[ ص: 187 ] التَّأْوِيلِ ؛ لِأَنَّا لَوْ أَجْرَيْنَاهَا عَلَى ظَاهِرِهَا ، لَوَجَبَ الْقَوْلُ بِكَوْنِ النَّبِيِّ مُسْتَحِقًّا لِلَّعْنِ ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ ، وَإِذَا وَجَبَ التَّأْوِيلُ فَنَقُولُ : لَا شَكَّ أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=21377كَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِ الْأَفْضَلِ ، فَكَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا .
وَالْجَوَابُ عَنِ الرَّابِعِ : أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عُقُوبَةً إِذِ
nindex.php?page=treesubj&link=30173_28751الْأَنْبِيَاءُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاقَبُوا ، بَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْمِحْنَةُ ، لَكِنْ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ يَذْكُرُونَ فِي كُلِّ مَضَرَّةٍ تُفْعَلُ لِأَجْلِ ذَنْبٍ أَنَّهَا عُقُوبَةٌ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الْخَامِسِ : أَنَّ الْمَلَامَةَ كَانَتْ بِسَبَبِ تَرْكِ الْأَفْضَلِ .