(
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=28998_31972_31971وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=24وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=24وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ) .
اعلم أن
سليمان عليه السلام لما تفقد الطير أوهم ذلك أنه إنما تفقده لأمر يختص به ذلك الطير ، واختلفوا فيما لأجله تفقده على وجوه :
أحدها : قول
وهب أنه أخل بالنوبة التي كان ينوبها فلذلك تفقده .
[ ص: 163 ] وثانيها : أنه تفقده لأن مقاييس الماء كانت إليه ، وكان يعرف الفصل بين قريبه وبعيده ، فلحاجة
سليمان إلى ذلك طلبه وتفقده .
وثالثها : أنه كان يظله من الشمس ، فلما فقد ذلك تفقده .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ) فأم هي المنقطعة نظر إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقال : ما لي لا أراه ، على معنى أنه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك ثم لاح له أنه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول : أهو غائب ؟ كأنه يسأل عن صحة ما لاح له ، ومثله قولهم : إنها لإبل أم شاء .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين ) فهذا لا يجوز أن يقوله إلا فيمن هو مكلف أو فيمن قارب العقل فيصلح لأن يؤدب ، ثم اختلفوا في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لأعذبنه ) فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إنه نتف الريش والإلقاء في الشمس ، وقيل : أن يطلى بالقطران ويشمس ، وقيل : أن يلقى للنمل فتأكله ، وقيل : إيداعه القفص ، وقيل : التفريق بينه وبين إلفه ، وقيل : لألزمنه صحبة الأضداد ، وعن بعضهم : أضيق السجون معاشرة الأضداد ، وقيل : لألزمنه خدمة أقرانه .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22فمكث ) فقد قرئ بفتح الكاف وضمها (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22غير بعيد ) كقولك عن قريب ، ووصف مكثه بقصر المدة للدلالة على إسراعه خوفا من
سليمان وليعلم كيف كان الطير مسخرا له .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22أحطت بما لم تحط به ) ففيه تنبيه
لسليمان على أن في أدنى خلق الله تعالى من أحاط علما بما لم يحط به ، فيكون ذلك لطفا في ترك الإعجاب ، والإحاطة بالشيء علما أن يعلم من جميع جهاته .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22وجئتك من سبإ بنبإ يقين ) فاعلم أن سبأ قرئ بالصرف ومنعه ، وقد روي بسكون الباء ، وعن
ابن كثير في رواية سبا بالألف كقولهم : ذهبوا أيدي سبا وهو
سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، فمن جعله اسما للقبيلة لم يصرف ، ومن جعله اسما للحي أو للأب الأكبر صرف ، ثم سميت مدينة
مأرب بسبأ وبينها وبين
صنعاء مسيرة ثلاثة أيام ، والنبأ الخبر الذي له شأن .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22من سبإ بنبإ ) من محاسن الكلام الذي يتعلق باللفظ وشرط حسنه صحة المعنى ، ولقد جاء ههنا زائدا على الصحة فحسن لفظا ومعنى ، ألا ترى أنه لو وضع مكان " بنبأ " بخبر لكان المعنى صحيحا ، ولكن لفظ النبأ أولى لما فيه من الزيادة التي يطابقها وصف الحال .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23إني وجدت امرأة تملكهم ) فالمرأة
بلقيس بنت شراحيل ، وكان أبوها ملك أرض
اليمن وكانت هي وقومها مجوسا يعبدون الشمس ، والضمير في تملكهم راجع إلى سبأ ، فإن أريد به القوم فالأمر ظاهر ، وإن أريدت المدينة فمعناه تملك أهلها .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وأوتيت من كل شيء ) ففيه سؤال وهو أنه كيف قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وأوتيت من كل شيء ) مع قول
سليمان (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16وأوتينا من كل شيء ) فكأن الهدهد سوى بينهما ؟ جوابه : أن قول
سليمان عليه السلام يرجع إلى ما أوتي من النبوة والحكمة ، ثم إلى الملك وأسباب الدنيا ، وأما قول الهدهد فلم يكن إلا إلى ما يتعلق بالدنيا .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23ولها عرش عظيم ) ففيه سؤال ، وهو أنه كيف استعظم الهدهد عرشها مع ما كان يرى من ملك
سليمان ؟ وأيضا فكيف سوى بين عرش
بلقيس وعرش الله تعالى في الوصف بالعظيم ؟
والجواب عن
[ ص: 164 ] الأول : يجوز أن يستصغر حالها إلى حال
سليمان فاستعظم لها ذلك العرش ، ويجوز أن لا يكون
لسليمان مع جلالته مثله كما قد يتفق لبعض الأمراء شيء لا يكون مثله عند السلطان .
وعن الثاني : أن وصف عرشها بالعظم تعظيم له بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك ووصف عرش الله بالعظم تعظيم له بالنسبة إلى سائر ما خلق من السماوات والأرض ، واعلم أن ههنا بحثين :
البحث الأول : أن الملاحدة طعنت في هذه القصة من وجوه :
أحدها : أن هذه الآيات اشتملت على أن النملة والهدهد تكلما بكلام لا يصدر ذلك الكلام إلا من العقلاء وذلك يجر إلى السفسطة ، فإنا لو جوزنا ذلك لما أمنا في النملة التي نشاهدها في زماننا هذا ، أن تكون أعلم بالهندسة من
إقليدس ، وبالنحو من
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، وكذا القول في القملة والصئبان ، ويجوز أن يكون فيهم الأنبياء والتكاليف والمعجزات ، ومعلوم أن من جوز ذلك كان إلى الجنون أقرب .
وثانيها : أن
سليمان عليه السلام كان
بالشام فكيف طار الهدهد في تلك اللحظة اللطيفة من
الشام إلى
اليمن ثم رجع إليه ؟ .
وثالثها : كيف خفي على
سليمان عليه السلام حال مثل تلك الملكة العظيمة مع ما يقال إن الجن والإنس كانوا في طاعة
سليمان ، وإنه عليه السلام كان ملك الدنيا بالكلية وكان تحت راية
بلقيس على ما يقال اثنا عشر ألف ملك تحت راية كل واحد منهم مائة ألف ، ومع أنه يقال : إنه لم يكن بين
سليمان وبين بلدة
بلقيس حال طيران الهدهد إلا مسيرة ثلاثة أيام .
ورابعها : من أين حصل للهدهد معرفة الله تعالى ووجوب السجود له وإنكار سجودهم للشمس وإضافته إلى الشيطان وتزيينه ؟
والجواب عن الأول : أن ذلك الاحتمال قائم في أول العقل ، وإنما يدفع ذلك بالإجماع ، وعن البواقي أن الإيمان بافتقار العالم إلى القادر المختار يزيل هذه الشكوك .
البحث الثاني : قالت
المعتزلة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=24يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم ) يدل على أن فعل العبد من جهته لأنه تعالى أضاف ذلك إلى الشيطان بعد إضافته إليهم ولأنه أورده مورد الذم ولأنه بين أنهم لا يهتدون والجواب من وجوه :
أحدها : أن هذا قول الهدهد فلا يكون حجة .
وثانيها : أنه متروك الظاهر ، فإنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=24فصدهم عن السبيل ) وعندهم الشيطان ما صد الكافر عن السبيل إذ لو كان مصدودا ممنوعا لسقط عنه التكليف ، فلم يبق ههنا إلا التمسك بفصل المدح والذم والجواب : قد تقدم عنه مرارا فلا فائدة في الإعادة والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=28998_31972_31971وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=24وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=24وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّ
سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا تَفَقَّدَ الطَّيْرَ أَوْهَمَ ذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا تَفَقَّدَهُ لِأَمْرٍ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ الطَّيْرُ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لِأَجْلِهِ تَفَقَّدَهُ عَلَى وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : قَوْلُ
وَهْبٍ أَنَّهُ أَخَلَّ بِالنَّوْبَةِ الَّتِي كَانَ يَنُوبُهَا فَلِذَلِكَ تَفَقَّدَهُ .
[ ص: 163 ] وَثَانِيهَا : أَنَّهُ تَفَقَّدَهُ لِأَنَّ مَقَايِيسَ الْمَاءِ كَانَتْ إِلَيْهِ ، وَكَانَ يَعْرِفُ الْفَصْلَ بَيْنَ قَرِيبِهِ وَبَعِيدِهِ ، فَلِحَاجَةِ
سُلَيْمَانَ إِلَى ذَلِكَ طَلَبَهُ وَتَفَقَّدَهُ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ كَانَ يُظِلُّهُ مِنَ الشَّمْسِ ، فَلَمَّا فَقَدَ ذَلِكَ تَفَقَّدَهُ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=20فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ) فَأَمْ هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ نَظَرَ إِلَى مَكَانِ الْهُدْهُدِ فَلَمْ يُبْصِرْهُ فَقَالَ : مَا لِيَ لَا أَرَاهُ ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَرَاهُ وَهُوَ حَاضِرٌ لِسَاتِرٍ سَتَرَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ لَاحَ لَهُ أَنَّهُ غَائِبٌ فَأَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ وَأَخَذَ يَقُولُ : أَهْوَ غَائِبٌ ؟ كَأَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ صِحَّةِ مَا لَاحَ لَهُ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ : إِنَّهَا لَإِبِلٌ أَمْ شَاءٌ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) فَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَهُ إِلَّا فِيمَنْ هُوَ مُكَلَّفٌ أَوْ فِيمَنْ قَارَبَ الْعَقْلَ فَيَصْلُحُ لِأَنْ يُؤَدَّبَ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=21لَأُعَذِّبَنَّهُ ) فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّهُ نَتْفُ الرِّيشِ وَالْإِلْقَاءُ فِي الشَّمْسِ ، وَقِيلَ : أَنْ يُطْلَى بِالْقَطِرَانِ وَيُشَمَّسُ ، وَقِيلَ : أَنْ يُلْقَى لِلنَّمْلِ فَتَأْكُلُهُ ، وَقِيلَ : إِيدَاعُهُ الْقَفَصَ ، وَقِيلَ : التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِلْفِهِ ، وَقِيلَ : لَأُلْزِمَنَّهُ صُحْبَةَ الْأَضْدَادِ ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ : أَضْيَقُ السُّجُونِ مُعَاشَرَةُ الْأَضْدَادِ ، وَقِيلَ : لَأُلْزِمَنَّهُ خِدْمَةَ أَقْرَانِهِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22فَمَكَثَ ) فَقَدْ قُرِئَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22غَيْرَ بَعِيدٍ ) كَقَوْلِكَ عَنْ قَرِيبٍ ، وَوَصَفَ مُكْثَهُ بِقِصَرِ الْمُدَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى إِسْرَاعِهِ خَوْفًا مِنْ
سُلَيْمَانَ وَلِيُعْلَمَ كَيْفَ كَانَ الطَّيْرُ مُسَخَّرًا لَهُ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ) فَفِيهِ تَنْبِيهٌ
لِسُلَيْمَانَ عَلَى أَنَّ فِي أَدْنَى خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ أَحَاطَ عِلْمًا بِمَا لَمْ يُحِطْ بِهِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لُطْفًا فِي تَرْكِ الْإِعْجَابِ ، وَالْإِحَاطَةُ بِالشَّيْءِ عِلْمًا أَنْ يُعْلَمَ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ) فَاعْلَمْ أَنَّ سَبَأً قُرِئَ بِالصَّرْفِ وَمَنْعِهِ ، وَقَدْ رُوِيَ بِسُكُونِ الْبَاءِ ، وَعَنِ
ابْنِ كَثِيرٍ فِي رِوَايَةِ سَبَا بِالْأَلْفِ كَقَوْلِهِمْ : ذَهَبُوا أَيْدِيَ سَبَا وَهُوَ
سَبَأُ بْنُ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ ، فَمَنْ جَعَلَهُ اسْمًا لِلْقَبِيلَةِ لَمْ يَصْرِفْ ، وَمِنْ جَعَلَهُ اسْمًا لِلْحَيِّ أَوْ لِلْأَبِ الْأَكْبَرِ صَرَفَ ، ثُمَّ سُمِّيَتْ مَدِينَةُ
مَأْرِبَ بِسَبَأٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ
صَنْعَاءَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَالنَّبَأُ الْخَبَرُ الَّذِي لَهُ شَأْنٌ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=22مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ ) مِنْ مَحَاسِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ وَشَرْطُ حُسْنِهِ صِحَّةُ الْمَعْنَى ، وَلَقَدْ جَاءَ هَهُنَا زَائِدًا عَلَى الصِّحَّةِ فَحَسُنَ لَفْظًا وَمَعْنًى ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ مَكَانَ " بِنَبَأٍ " بِخَبَرٍ لَكَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا ، وَلَكِنَّ لَفْظَ النَّبَأِ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ الَّتِي يُطَابِقُهَا وَصْفُ الْحَالِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ) فَالْمَرْأَةُ
بِلْقِيسُ بِنْتُ شَرَاحِيلَ ، وَكَانَ أَبُوهَا مَلِكُ أَرْضِ
الْيَمَنِ وَكَانَتْ هِيَ وَقَوْمُهَا مَجُوسًا يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ ، وَالضَّمِيرُ فِي تَمْلِكُهُمْ رَاجِعٌ إِلَى سَبَأٍ ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْقَوْمُ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ ، وَإِنْ أُرِيدَتِ الْمَدِينَةُ فَمَعْنَاهُ تَمْلِكُ أَهْلَهَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) فَفِيهِ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) مَعَ قَوْلِ
سُلَيْمَانَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) فَكَأَنَّ الْهُدْهُدَ سَوَّى بَيْنَهُمَا ؟ جَوَابُهُ : أَنَّ قَوْلَ
سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَرْجِعُ إِلَى مَا أُوتِيَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ ، ثُمَّ إِلَى الْمُلْكِ وَأَسْبَابِ الدُّنْيَا ، وَأَمَّا قَوْلُ الْهُدْهُدِ فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ) فَفِيهِ سُؤَالٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ اسْتَعْظَمَ الْهُدْهُدُ عَرْشَهَا مَعَ مَا كَانَ يَرَى مِنْ مُلْكِ
سُلَيْمَانَ ؟ وَأَيْضًا فَكَيْفَ سَوَّى بَيْنِ عَرْشِ
بِلْقِيسَ وَعَرْشِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْوَصْفِ بِالْعَظِيمِ ؟
وَالْجَوَابُ عَنِ
[ ص: 164 ] الْأَوَّلِ : يَجُوزُ أَنْ يَسْتَصْغِرَ حَالَهَا إِلَى حَالِ
سُلَيْمَانَ فَاسْتَعْظَمَ لَهَا ذَلِكَ الْعَرْشَ ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ
لِسُلَيْمَانَ مَعَ جَلَالَتِهِ مِثْلُهُ كَمَا قَدْ يَتَّفِقُ لِبَعْضِ الْأُمَرَاءِ شَيْءٌ لَا يَكُونُ مِثْلُهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ .
وَعَنِ الثَّانِي : أَنَّ وَصْفَ عَرْشِهَا بِالْعِظَمِ تَعْظِيمٌ لَهُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى عُرُوشِ أَبْنَاءِ جِنْسِهَا مِنَ الْمُلُوكِ وَوَصْفَ عَرْشِ اللَّهِ بِالْعِظَمِ تَعْظِيمٌ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِرِ مَا خَلَقَ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَهُنَا بَحْثَيْنِ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمَلَاحِدَةَ طَعَنَتْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَنَّ النَّمْلَةَ وَالْهُدْهُدَ تَكَلَّمَا بِكَلَامٍ لَا يَصْدُرُ ذَلِكَ الْكَلَامُ إِلَّا مِنَ الْعُقَلَاءِ وَذَلِكَ يَجُرُّ إِلَى السَّفْسَطَةِ ، فَإِنَّا لَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ لَمَا أَمِنَّا فِي النَّمْلَةِ الَّتِي نُشَاهِدُهَا فِي زَمَانِنَا هَذَا ، أَنْ تَكُونَ أَعْلَمَ بِالْهَنْدَسَةِ مِنْ
إِقْلِيدِسَ ، وَبِالنَّحْوِ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْقَمْلَةِ وَالصِّئْبَانِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالتَّكَالِيفُ وَالْمُعْجِزَاتُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ كَانَ إِلَى الْجُنُونِ أَقْرَبَ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ
سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ
بِالشَّامِ فَكَيْفَ طَارَ الْهُدْهُدُ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ اللَّطِيفَةِ مِنَ
الشَّامِ إِلَى
الْيَمَنِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ ؟ .
وَثَالِثُهَا : كَيْفَ خَفِيَ عَلَى
سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَالَ مِثْلِ تِلْكَ الْمَلِكَةِ الْعَظِيمَةِ مَعَ مَا يُقَالُ إِنَّ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ كَانُوا فِي طَاعَةِ
سُلَيْمَانَ ، وَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَلِكَ الدُّنْيَا بِالْكُلِّيَّةِ وَكَانَ تَحْتَ رَايَةِ
بِلْقِيسَ عَلَى مَا يُقَالُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَلِكٍ تَحْتَ رَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ ، وَمَعَ أَنَّهُ يُقَالُ : إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ
سُلَيْمَانَ وَبَيْنَ بَلْدَةِ
بِلْقِيسَ حَالَ طَيَرَانِ الْهُدْهُدِ إِلَّا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .
وَرَابِعُهَا : مَنْ أَيْنَ حَصَلَ لِلْهُدْهُدِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَوُجُوبُ السُّجُودِ لَهُ وَإِنْكَارُ سُجُودِهِمْ لِلشَّمْسِ وَإِضَافَتُهُ إِلَى الشَّيْطَانِ وَتَزْيِينُهُ ؟
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : أَنَّ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ قَائِمٌ فِي أَوَّلِ الْعَقْلِ ، وَإِنَّمَا يُدْفَعُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ ، وَعَنِ الْبَوَاقِي أَنَّ الْإِيمَانَ بِافْتِقَارِ الْعَالَمِ إِلَى الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ يُزِيلُ هَذِهِ الشُّكُوكَ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=24يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مِنْ جِهَتِهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ ذَلِكَ إِلَى الشَّيْطَانِ بَعْدَ إِضَافَتِهِ إِلَيْهِمْ وَلِأَنَّهُ أَوْرَدَهُ مَوْرِدَ الذَّمِّ وَلِأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّهُمْ لَا يَهْتَدُونَ وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْهُدْهُدِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ ، فَإِنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=24فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ) وَعِنْدَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا صَدَّ الْكَافِرَ عَنِ السَّبِيلِ إِذْ لَوْ كَانَ مَصْدُودًا مَمْنُوعًا لَسَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ ، فَلَمْ يَبْقَ هَهُنَا إِلَّا التَّمَسُّكُ بِفَصْلِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَالْجَوَابُ : قَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ مِرَارًا فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .