(
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=79فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=80وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=81فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=79فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=80وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=81فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين )
[ ص: 16 ] أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=79فخرج على قومه في زينته ) فيدل على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=18679_32944_30196خرج بأظهر زينة وأكملها وليس في القرآن إلا هذا القدر ، إلا أن الناس ذكروا وجوها مختلفة في كيفية تلك الزينة ، قال
مقاتل : خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب ومعه أربعة آلاف فارس على الخيول وعليها الثياب الأرجوانية ومعه ثلثمائة جارية بيض عليهن الحلي والثياب الحمر على البغال الشهب ، وقال بعضهم : بل خرج في تسعين ألفا هكذا ، وقال آخرون : بل على ثلثمائة .
والأولى ترك هذه التقريرات ؛ لأنها متعارضة ، ثم إن الناس لما رأوا عليه تلك الزينة قال من كان منهم يرغب في الدنيا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=79ياليت لنا مثل ما أوتي قارون ) من هذه الأمور والأموال ، والراغبون يحتمل أن يكونوا من الكفار ، وأن يكونوا من المسلمين الذين يحبون الدنيا ، وأما العلماء وأهل الدين فقالوا للذين تمنوا هذا : ويلكم ثواب الله خير من هذه النعم ؛ لأن للثواب منافع عظيمة وخالصة عن شوائب المضار ودائمة ، وهذه النعم العاجلة على الضد من هذه الصفات الثلاث ، قال صاحب "الكشاف" : ويلك أصله الدعاء بالهلاك ، ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرتضى .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=80ولا يلقاها إلا الصابرون ) فقال المفسرون : لا يوفق لها والضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=80يلقاها ) إلى ماذا يعود ؟ فيه وجهان :
أحدهما : إلى ما دل عليه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=80آمن وعمل صالحا ) يعني هذه الأعمال لا يؤتاها إلا الصابرون .
والثاني : قال
الزجاج : يعني ولا يلقى هذه الكلمة ، وهي قولهم ثواب الله خير إلا الصابرون على أداء الطاعات ، والاحتراز عن المحرمات ، وعلى
nindex.php?page=treesubj&link=19626_19572الرضا بقضاء الله في كل ما قسم من المنافع والمضار .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=81فخسفنا به وبداره الأرض ) ففيه وجهان :
أحدهما : أنه لما أشر وبطر وعتا
nindex.php?page=treesubj&link=30539_29468_30525خسف الله به وبداره الأرض جزاء على عتوه وبطره ، والفاء تدل على ذلك ؛ لأن الفاء تشعر بالعلية .
وثانيها : قيل : إن
قارون كان يؤذي نبي الله
موسى عليه السلام كل وقت ، وهو يداريه للقرابة التي بينهما حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف دينار على دينار ، وعن كل ألف درهم على درهم فحسبه فاستكثره فشحت نفسه فجمع
بني إسرائيل ، وقال : إن
موسى يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا : أنت سيدنا وكبيرنا فمرنا بما شئت ، قال : نبرطل فلانة البغي حتى تنسبه إلى نفسها فيرفضه
بنو إسرائيل فجعل لها طستا من ذهب مملوءا ذهبا فلما كان يوم عيد قام
موسى فقال : يا
بني إسرائيل من سرق قطعناه ، ومن زنى وهو (غير محصن جلدناه وإن أحصن رجمناه ، فقال
قارون : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا ، قال : فإن
بني إسرائيل يقولون إنك فجرت بفلانة فأحضرت فناشدها
موسى بالله الذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق فتداركها الله تعالى ، فقالت : كذبوا بل جعل لي
قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي ، فخر
موسى ساجدا يبكي ، وقال : يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي ، فأوحى الله عز وجل إليه أن مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك ، فقال : يا
بني إسرائيل إن الله بعثني إلى
قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليلزم مكانه ومن كان معي فليعتزل فاعتزلوا جميعا غير رجلين ، ثم قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب ثم قال خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق ،
وقارون وأصحابه يتضرعون إلى
موسى عليه السلام ويناشدونه بالله والرحم ،
وموسى لا يلتفت إليهم لشدة غضبه ، ثم قال : خذيهم فانطبقت الأرض عليهم فأوحى الله تعالى إلى
موسى عليه السلام : ما أفظك ! استغاثوا بك مرارا فلم ترحمهم ، أما وعزتي لو دعوني مرة واحدة لوجدوني قريبا مجيبا . فأصبحت
بنو إسرائيل يتناجون
[ ص: 17 ] بينهم : إنما دعا
موسى على
قارون ليستبد بداره وكنوزه فدعا الله حتى خسف بداره وأمواله ، ثم إن
قارون يخسف به كل يوم مائة قامة ، قال القاضي : إذا هلك بالخسف فسواء نزل عن ظاهر الأرض إلى الأرض السابعة أو دون ذلك فإنه لا يمتنع ما روي على وجه المبالغة في الزجر ، وأما قولهم : إنه تعالى قال لو استغاث بي لأغثته ، فإن صح حمل على استغاثة مقرونة بالتوبة ، فأما وهو ثابت على ما هو عليه مع أنه تعالى هو الذي حكم بذلك الخسف ؛ لأن
موسى عليه السلام ما فعله إلا عن أمره فبعيد ، وقولهم : إنه يتجلجل في الأرض أبدا فبعيد ؛ لأنه لا بد له من نهاية ، وكذا القول فيما ذكر من عدد القامات ، والذي عندي في أمثال هذه الحكايات أنها قليلة الفائدة ؛ لأنها من باب أخبار الآحاد فلا تفيد اليقين ، وليست المسألة مسألة عملية حتى يكتفى فيها بالظن ، ثم إنها في أكثر الأمر متعارضة مضطربة فالأولى طرحها والاكتفاء بما دل عليه نص القرآن ، وتفويض سائر التفاصيل إلى عالم الغيب .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=81وما كان من المنتصرين ) فالمراد من المنتقمين من
موسى أو من الممتنعين من عذاب الله تعالى ، يقال : نصره من عدوه فانتصر ، أي منعه منه فامتنع .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=79فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=80وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=81فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=79فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=80وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=81فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ )
[ ص: 16 ] أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=79فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ) فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=18679_32944_30196خَرَجَ بِأَظْهَرِ زِينَةٍ وَأَكْمَلِهَا وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا هَذَا الْقَدْرُ ، إِلَّا أَنَّ النَّاسَ ذَكَرُوا وُجُوهًا مُخْتَلِفَةً فِي كَيْفِيَّةِ تِلْكَ الزِّينَةِ ، قَالَ
مُقَاتِلٌ : خَرَجَ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ عَلَيْهَا سَرْجٌ مِنْ ذَهَبٍ وَمَعَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ فَارِسٍ عَلَى الْخُيُولِ وَعَلَيْهَا الثِّيَابُ الْأُرْجُوَانِيَّةُ وَمَعَهُ ثَلَثُمِائَةِ جَارِيَةٍ بِيضٍ عَلَيْهِنَّ الْحُلِيُّ وَالثِّيَابُ الْحُمْرُ عَلَى الْبِغَالِ الشُّهْبِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ خَرَجَ فِي تِسْعِينَ أَلْفًا هَكَذَا ، وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَلَى ثَلَثِمِائَةٍ .
وَالْأَوْلَى تَرْكُ هَذِهِ التَّقْرِيرَاتِ ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَارِضَةٌ ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ لَمَّا رَأَوْا عَلَيْهِ تِلْكَ الزِّينَةَ قَالَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَرْغَبُ فِي الدُّنْيَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=79يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ) مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وَالْأَمْوَالِ ، وَالرَّاغِبُونَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْكُفَّارِ ، وَأَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُحِبُّونَ الدُّنْيَا ، وَأَمَّا الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ الدِّينِ فَقَالُوا لِلَّذِينِ تَمَنَّوْا هَذَا : وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ ؛ لِأَنَّ لِلثَّوَابِ مَنَافِعَ عَظِيمَةً وَخَالِصَةً عَنْ شَوَائِبِ الْمَضَارِّ وَدَائِمَةً ، وَهَذِهِ النِّعَمُ الْعَاجِلَةُ عَلَى الضِّدِّ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ ، قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : وَيْلَكَ أَصْلُهُ الدُّعَاءُ بِالْهَلَاكِ ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ وَالْبَعْثِ عَلَى تَرْكِ مَا لَا يُرْتَضَى .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=80وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ) فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ : لَا يُوَفَّقُ لَهَا وَالضَّمِيرُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=80يُلَقَّاهَا ) إِلَى مَاذَا يَعُودُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=80آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ) يَعْنِي هَذِهِ الْأَعْمَالَ لَا يُؤْتَاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ .
وَالثَّانِي : قَالَ
الزَّجَّاجُ : يَعْنِي وَلَا يُلَقَّى هَذِهِ الْكَلِمَةَ ، وَهِيَ قَوْلُهُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ إِلَّا الصَّابِرُونَ عَلَى أَدَاءِ الطَّاعَاتِ ، وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَعَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19626_19572الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ فِي كُلِّ مَا قَسَمَ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=81فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ) فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمَّا أَشِرَ وَبَطِرَ وَعَتَا
nindex.php?page=treesubj&link=30539_29468_30525خَسَفَ اللَّهُ بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ جَزَاءً عَلَى عُتُوِّهِ وَبَطَرِهِ ، وَالْفَاءُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ تُشْعِرُ بِالْعِلِّيَّةِ .
وَثَانِيهَا : قِيلَ : إِنَّ
قَارُونَ كَانَ يُؤْذِي نَبِيَّ اللَّهِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كُلَّ وَقْتٍ ، وَهُوَ يُدَارِيهِ لِلْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا حَتَّى نَزَلَتِ الزَّكَاةُ فَصَالَحَهُ عَنْ كُلِّ أَلْفِ دِينَارٍ عَلَى دِينَارٍ ، وَعَنْ كُلِّ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى دِرْهَمٍ فَحَسَبَهُ فَاسْتَكْثَرَهُ فَشَحَّتْ نَفْسُهُ فَجَمَعَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَقَالَ : إِنَّ
مُوسَى يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ أَمْوَالَكُمْ فَقَالُوا : أَنْتَ سَيِّدُنَا وَكَبِيرُنَا فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ ، قَالَ : نُبَرْطِلُ فُلَانَةَ الْبَغِيَّ حَتَّى تَنْسُبَهُ إِلَى نَفْسِهَا فَيَرْفُضَهُ
بَنُو إِسْرَائِيلَ فَجَعَلَ لَهَا طَسْتًا مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءًا ذَهَبًا فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ قَامَ
مُوسَى فَقَالَ : يَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ مَنْ سَرَقَ قَطَعْنَاهُ ، وَمَنْ زَنَى وَهُوَ (غَيْرُ مُحْصَنٍ جَلَدْنَاهُ وَإِنْ أَحْصَنَ رَجَمْنَاهُ ، فَقَالَ
قَارُونُ : وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ ؟ قَالَ : وَإِنْ كُنْتُ أَنَا ، قَالَ : فَإِنَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُونَ إِنَّكَ فَجَرْتَ بِفُلَانَةَ فَأُحْضِرَتْ فَنَاشَدَهَا
مُوسَى بِاللَّهِ الَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ أَنْ تَصْدُقَ فَتَدَارَكَهَا اللَّهُ تَعَالَى ، فَقَالَتْ : كَذَبُوا بَلْ جَعَلَ لِي
قَارُونُ جُعْلًا عَلَى أَنْ أَقْذِفَكَ بِنَفْسِي ، فَخَرَّ
مُوسَى سَاجِدًا يَبْكِي ، وَقَالَ : يَا رَبِّ إِنْ كُنْتُ رَسُولَكَ فَاغْضَبْ لِي ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ أَنْ مُرِ الْأَرْضَ بِمَا شِئْتَ فَإِنَّهَا مُطِيعَةٌ لَكَ ، فَقَالَ : يَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَى
قَارُونَ كَمَا بَعَثَنِي إِلَى فِرْعَوْنَ فَمَنْ كَانَ مَعَهُ فَلْيَلْزَمْ مَكَانَهُ وَمَنْ كَانَ مَعِيَ فَلْيَعْتَزِلْ فَاعْتَزَلُوا جَمِيعًا غَيْرَ رَجُلَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى الرُّكَبِ ثُمَّ قَالَ خُذِيهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى الْأَوْسَاطِ ثُمَّ قَالَ : خُذِيهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى الْأَعْنَاقِ ،
وَقَارُونُ وَأَصْحَابُهُ يَتَضَرَّعُونَ إِلَى
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيُنَاشِدُونَهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ ،
وَمُوسَى لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ لِشِدَّةِ غَضَبِهِ ، ثُمَّ قَالَ : خُذِيهِمْ فَانْطَبَقَتِ الْأَرْضُ عَلَيْهِمْ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : مَا أَفَظَّكَ ! اسْتَغَاثُوا بِكَ مِرَارًا فَلَمْ تَرْحَمْهُمْ ، أَمَا وَعِزَّتِي لَوْ دَعَوْنِي مَرَّةً وَاحِدَةً لَوَجَدُونِي قَرِيبًا مُجِيبًا . فَأَصْبَحَتْ
بَنُو إِسْرَائِيلَ يَتَنَاجَوْنَ
[ ص: 17 ] بَيْنَهُمْ : إِنَّمَا دَعَا
مُوسَى عَلَى
قَارُونَ لِيَسْتَبِدَّ بِدَارِهِ وَكُنُوزِهِ فَدَعَا اللَّهَ حَتَّى خَسَفَ بِدَارِهِ وَأَمْوَالِهِ ، ثُمَّ إِنَّ
قَارُونَ يُخْسَفُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ قَامَةٍ ، قَالَ الْقَاضِي : إِذَا هَلَكَ بِالْخَسْفِ فَسَوَاءٌ نَزَلَ عَنْ ظَاهِرِ الْأَرْضِ إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مَا رُوِيَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ لَوِ اسْتَغَاثَ بِي لَأَغَثْتُهُ ، فَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى اسْتِغَاثَةٍ مَقْرُونَةٍ بِالتَّوْبَةِ ، فَأَمَّا وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي حَكَمَ بِذَلِكَ الْخَسْفِ ؛ لِأَنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا فَعَلَهُ إِلَّا عَنْ أَمْرِهِ فَبَعِيدٌ ، وَقَوْلُهُمْ : إِنَّهُ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا فَبَعِيدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِهَايَةٍ ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ عَدَدِ الْقَامَاتِ ، وَالَّذِي عِنْدِي فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ أَنَّهَا قَلِيلَةُ الْفَائِدَةِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا تُفِيدُ الْيَقِينَ ، وَلَيْسَتِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةً عَمَلِيَّةً حَتَّى يُكْتَفَى فِيهَا بِالظَّنِّ ، ثُمَّ إِنَّهَا فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ مُتَعَارِضَةٌ مُضْطَرِبَةٌ فَالْأَوْلَى طَرْحُهَا وَالِاكْتِفَاءُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ نَصُّ الْقُرْآنِ ، وَتَفْوِيضُ سَائِرِ التَّفَاصِيلِ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=81وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ) فَالْمُرَادُ مِنَ الْمُنْتَقِمِينَ مِنْ
مُوسَى أَوْ مِنَ الْمُمْتَنِعِينَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، يُقَالُ : نَصَرَهُ مِنْ عَدُوِّهِ فَانْتَصَرَ ، أَيْ مَنَعَهُ مِنْهُ فَامْتَنَعَ .