( فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون )
ثم قال تعالى : ( فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون )
لما نهى الكافر عما هو عليه ، أمر المؤمن بما هو عليه وخاطب النبي - عليه السلام - ليعلم المؤمن فضيلة ما هو مكلف به ، فإنه أمر به أشرف الأنبياء ، وللمؤمنين في التكليف مقام الأنبياء كما قال عليه الصلاة والسلام : " " وقد ذكرنا معناه ، وقوله : ( إن الله أمر عباده المؤمنين بما أمر به عباده المرسلين من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ) يحتمل وجهين :
الأول : أن يكون قوله : ( من الله ) متعلقا بقوله : ( يأتي )
والثاني : أن يكون المراد ( لا مرد له من الله ) أي الله لا يرد وغيره عاجز عن رده ، فلا بد من وقوعه : ( يومئذ يصدعون ) أي يتفرقون . ثم أشار إلى التفرق بقوله : ( من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ) وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال : ( من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا ) ولم يقل ومن آمن ؛ وذلك لأن ، فذكره تحريضا للمكلف عليه ، وأما الكفر إذا جاء فلا زنة للعمل معه ، ووجه آخر : وهو أن العمل الصالح به يكمل الإيمان : الكفر قسمان
أحدهما : فعل وهو الإشراك والقول به .
والثاني : ترك وهو عدم النظر والإيمان ، فالعاقل البالغ إذا كان في مدينة الرسول ولم يأت بالإيمان فهو كافر سواء قال بالشرك أو لم يقل ، لكن الإيمان لا بد معه من العمل الصالح ، فإن الاعتقاد الحق عمل القلب ، وقول لا إله إلا الله عمل اللسان وشيء منه لا بد منه .
المسألة الثانية : قال : ( فعليه ) فوحد الكناية وقال : ( فلأنفسهم ) جمعها إشارة إلى أن الرحمة أعم من [ ص: 114 ] الغضب ، فتشمله وأهله وذريته ، أما الغضب فمسبوق بالرحمة ، لازم لمن أساء .
المسألة الثالثة : قال : ( فعليه كفره ) ولم يبين ، وقال في المؤمن ( فلأنفسهم يمهدون ) تحقيقا لكمال الرحمة فإنه عند الخير بين وفصل بشارة ، وعند غيره أشار إليه إشارة .