( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا )
ثم قال تعالى : ( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا ) يعني كما أنهم عندكم فكذلك ملعونون عند الله ( ملعونون في الدنيا وأعد لهم سعيرا ) كما قال تعالى : ( لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ) [ الأحزاب : 57 ] ( خالدين فيها أبدا ) مطيلين المكث فيها مستمرين لا أمد لخروجهم .
وقوله : ( لا يجدون وليا ولا نصيرا ) لما ذكر خلودهم بين تحقيقه وذلك لأن المعذب لا يخلصه من العذاب إلا صديق يشفع له أو ناصر يدفع عنه ، ولا ولي لهم يشفع ولا نصير يدفع .
( يوم تقلب وجوههم في النار يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ) .
لما بين أنه بين أن بعض أعضائهم أيضا لا يدفع العذاب عن البعض بخلاف عذاب الدنيا فإن الإنسان يدفع عن وجهه الضربة اتقاء بيده فإن من يقصد رأسه ووجهه تجده يجعل يده جنة أو يطأطئ رأسه كي لا يصيب وجهه ، وفي الآخرة ( لا شفيع لهم يدفع عنهم العذاب تقلب وجوههم في النار ) فما ظنك بسائر أعضائهم التي تجعل جنة للوجه ووقاية له ( يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول ) فيتحسرون ويندمون حيث لا تغنيهم الندامة والحسرة ، لحصول علمهم بأن الخلاص ليس إلا للمطيع . ثم يقولون : ( إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا ) يعني بدل طاعة الله تعالى أطعنا السادة ، وبدل أطعنا الكبراء وتركنا طاعة سيد السادات وأكبر الأكابر فبدلنا الخير بالشر ، فلا جرم فاتنا خير الجنان وأوتينا شر النيران ، ثم إنهم يطلبون بعض [ ص: 201 ] التشفي بتعذيب المضلين ويقولون : ( طاعة الرسول ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ) أي بسبب ضلالهم وإضلالهم ، وفي قوله تعالى : ( ضعفين ) ( والعنهم لعنا كبيرا ) معنى لطيف وهو أن الدعاء لا يكون إلا عند عدم حصول الأمر المدعو به ، والعذاب كان حاصلا لهم واللعن كذلك فطلبوا ما ليس بحاصل وهو زيادة العذاب بقولهم : ( ضعفين ) وزيادة اللعن بقولهم : ( لعنا كبيرا ) .