( وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور )
ثم إنه تعالى لما بين ما كان من جانبه ذكر ما كان من جانبهم فقال : ( فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور ) .
فبين كمال ظلمهم بالإعراض بعد إبانة الآية كما قال تعالى : ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها ) [ السجدة : 22] ثم بين كيفية الانتقام منهم كما قال : ( إنا من المجرمين منتقمون ) [ السجدة : 22 ] ، وكيفيته [ ص: 218 ] أنه تعالى أرسل عليهم سيلا غرق أموالهم وخرب دورهم ، وفي العرم وجوه :
أحدها : أنه الجرذ الذي سبب خراب السكر ، وذلك من حيث إن بلقيس كانت قد عمدت إلى جبال بينها شعب فسدت الشعب حتى كانت مياه الأمطار والعيون تجتمع فيها وتصير كالبحر وجعلت لها أبوابا ثلاثة مرتبة بعضها فوق بعض ، وكانت الأبواب يفتح بعضها بعد بعض . فنقب الجرذ السكر ، وخرب السكر بسببه وانقلب البحر عليهم .
وثانيها : أن العرم اسم السكر وهو جمع العرمة وهي الحجارة .
ثالثها : اسم للوادي الذي خرج منه الماء ، وقوله : ( وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط ) بين به دوام الخراب ، وذلك لأن البساتين التي فيها الناس يكون فيها الفواكه الطيبة بسبب العمارة فإذا تركت سنين تصير كالغيضة والأجمة تلتف الأشجار بعضها ببعض وتنبت المفسدات فيها فتقل الثمار وتكثر الأشجار ، والخمط كل شجرة لها شوك أو كل شجرة ثمرتها مرة ، أو كل شجرة ثمرتها لا تؤكل ، والأثل نوع من الطرفاء ولا يكون عليه ثمرة إلا في بعض الأوقات ، يكون عليه شيء كالعفص أو أصغر منه في طعمه وطبعه ، والسدر معروف وقال فيه : قليل لأنه كان أحسن أشجارهم فقلله الله . ثم بين الله أن ذلك كان مجازاة لهم على كفرانهم فقال : ( ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور ) أي لا نجازي بذلك الجزاء ( إلا الكفور ) قال بعضهم : المجازاة تقال في النقمة ، والجزاء في النعمة لكن قوله تعالى : ( ذلك جزيناهم ) يدل على أن الجزاء يستعمل في النقمة ، ولعل من قال ذلك أخذه من أن المجازاة مفاعلة وهي في أكثر الأمر تكون بين اثنين ، يأخذ من كل واحد جزاء في حق الآخر . وفي النعمة لا تكون مجازاة لأن الله تعالى مبتدئ بالنعم .