[ ص: 152 ] nindex.php?page=treesubj&link=28889 [ سورة ص ]
ثمانون وثمان آيات مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص والقرآن ذي الذكر nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2بل الذين كفروا في عزة وشقاق nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص والقرآن ذي الذكر nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2بل الذين كفروا في عزة وشقاق nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الكلام المستقصى في أمثال هذه الفواتح مذكور في أول سورة البقرة ، ولا بأس بإعادة بعض الوجوه :
فالأول : أنه مفتاح أسماء الله تعالى التي أولها صاد ، كقولنا صادق الوعد ، صانع المصنوعات ، صمد .
والثاني : معناه صدق
محمد في كل ما أخبر به عن الله .
الثالث : معناه صد الكفار عن قبول هذا الدين ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=167الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ) [النساء : 167] .
الرابع : معناه أن القرآن مركب من هذه الحروف وأنتم قادرون عليها ولستم قادرين على معارضة القرآن ، فدل ذلك على
nindex.php?page=treesubj&link=28899أن القرآن معجز .
الخامس : أن يكون " صاد " بكسر الدال من المصادة وهي المعارضة ، ومنها الصدى وهو ما يعارض صوتك في الأماكن الخالية من الأجسام الصلبة ، ومعناه عارض القرآن بعملك فاعمل بأوامره وانته عن نواهيه .
السادس : أنه اسم السورة ، والتقدير هذه صاد ، فإن قيل ههنا إشكالان :
أحدهما : أن
nindex.php?page=treesubj&link=34077_29009قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1والقرآن ذي الذكر ) قسم وأين المقسم عليه ؟
والثاني : أن كلمة "بل" تقتضي رفع حكم ثبت قبلها ، وإثبات حكم بعدها يناقض الحكم السابق ، فأين هذا المعنى ههنا ؟
والجواب : عن الأول من وجوه :
الأول : أن يكون معنى صاد بمعنى صدق
محمد صلى الله عليه وسلم ، فيكون صاد هو المقسم عليه ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1والقرآن ذي الذكر ) هو القسم .
الثاني : أن يكون المقسم عليه محذوفا ، والتقدير سورة (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص والقرآن ذي الذكر ) إنه لكلام معجز ، لأنا بينا أن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص ) تنبيه على التحدي .
والثالث : أن يكون صاد اسما للسورة ، ويكون التقدير هذه ص والقرآن ذي الذكر ، ولما كان المشهور أن
محمدا عليه السلام يدعي في هذه السورة كونها معجزة ، كان قوله هذه (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص ) جاريا مجرى
[ ص: 153 ] قوله : هذه السورة المعجزة ، ونظيره قوله هذا حاتم والله ، أي هذا هو المشهور بالسخاء .
والجواب عن السؤال الثاني : أن الحكم المذكور قبل كلمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2بل ) ، أما ما ذكره المفسر كون
محمد صادقا في تبليغ الرسالة أو كون القرآن أو هذه السورة معجزة والحكم المذكور بعد كلمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2بل ) ههنا هو المنازعة والمشاقة في كونه كذلك ، فحصل المطلوب ، والله أعلم .
المسألة الثانية : قرأ
الحسن "صاد" بكسر الدال لأجل التقاء الساكنين ، وقرأ
عيسى بن عمر بنصب صاد ونون وبحذف حرف القسم وإيصال فعله ، كقولهم الله لأفعلن ، وأكثر القراء على الجزم لأن الأسماء العارية عن العوامل تذكر موقوفة الأواخر .
المسألة الثالثة : في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ذي الذكر ) وجهان :
الأول : المراد ذي الشرف ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وإنه لذكر لك ولقومك ) [الزخرف : 44] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=10لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ) [الأنبياء : 10] ومجاز هذا من قولهم لفلان ذكر في الناس ، كما يقولون له صيت .
الثاني : ذي البيانين أي فيه قصص الأولين والآخرين ، وفيه بيان العلوم الأصلية والفرعية ، ومجازه من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=40ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) [القمر : 40] .
المسألة الرابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=29455_29009قالت المعتزلة : ( nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1والقرآن ذي الذكر ) والذكر محدث . بيان الأول : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وإنه لذكر لك ولقومك ) [الزخرف : 44] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=50وهذا ذكر مبارك ) [الأنبياء : 50] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1والقرآن ذي الذكر ) [ص : 1] (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ) [يس : 69] .
وبيان الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=2ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ) [الأنبياء : 2] وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=5وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث ) [الشعراء : 5] .
والجواب : أنا نصرف دليلكم إلى الحروف والأصوات وهي محدثة .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2بل الذين كفروا ) فالمراد منه الكفار من رؤساء
قريش الذين يجوز على مثلهم الإجماع على الحسد والكبر عن الانقياد إلى الحق ، والعزة ههنا التعظيم وما يعتقده الإنسان في نفسه من الأحوال التي تمنعه من متابعة الغير لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=206وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ) [البقرة : 206] والشقاق هو إظهار المخالفة على جهة المساواة للمخالف ، أو على جهة الفضيلة عليه ، وهو مأخوذ من الشق ، كأنه يرتفع عن أن يلزمه الانقياد له ، بل يجعل نفسه في شق وخصمه في شق ، فيريد أن يكون في شقة نفسه ، ولا يجرى عليه حكم خصمه ، ومثله المعاداة وهو أن يكون أحدهما في عدوة والآخر في عدوة ، وهي جانب الوادي ، وكذلك المحادة أن يكون هذا في حد غير حد الآخر ، ويقال انحرف فلان عن فلان ، وجانب فلان فلانا أي صار منه على حرف ، وفي جانب غير جانبه والله أعلم . ثم إنه تعالى لما وصفهم بالعزة والشقاق خوفهم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3كم أهلكنا من قبلهم من قرن ) والمعنى أنهم نادوا عند نزول العذاب في الدنيا ولم يذكر بأي شيء نادوا ، وفيه وجوه :
الأول : وهو الأظهر أنهم نادوا بالاستغاثة لأن نداء من نزل به العذاب ليس إلا بالاستغاثة .
الثاني : نادوا بالإيمان والتوبة عند معاينة العذاب .
الثالث : نادوا أي رفعوا أصواتهم ، يقال فلان أندى صوتا من فلان أي أرفع صوتا ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3ولات حين مناص ) يعني ولم يكن ذلك الوقت وقت فرار من العذاب وهو كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=84فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا ) [غافر : 84] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=64حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون ) [المؤمنون : 64] والجؤار رفع الصوت بالتضرع والاستغاثة ، وكقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=91آلآن وقد عصيت قبل ) [يونس : 91] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=85فلم يك )
[ ص: 154 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=85ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ) [غافر : 85] بقي ههنا أبحاث :
البحث الأول : في
nindex.php?page=treesubj&link=29009_34077تحقيق الكلام في لفظ ( nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3ولات ) زعم
الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه أن "لات" هي لا المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على رب وثم للتأكيد ، وبسبب هذه الزيادة حدثت لها أحكام جديدة ، منها أنها لا تدخل إلا على الأحيان ، ومنها أن لا يبرز إلا أحد جزأيها ، إما الاسم وإما الخبر ، ويمتنع بروزهما جميعا ، وقال
الأخفش : إنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء ، وخصت بنفي الأحيان و(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3حين مناص ) منصوب بها كأنك قلت : ولات حين مناص لهم ، ويرتفع بالابتداء أي ولات حين مناص كائن لهم .
البحث الثاني : الجمهور يقفون على التاء من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3ولات ) والكسائي يقف عليها بالهاء كما يقف على الأسماء المؤنثة ، قال صاحب "الكشاف" : وأما قول أبي عبيدة : التاء داخلة على الحين فلا وجه له ، واستشهاده بأن التاء ملتزقة بحين في مصحف عثمان فضعيف ، فكم وقعت في المصحف أشياء خارجة عن قياس الخط .
البحث الثالث : المناص المنجا والغوث ، يقال ناصه ينوصه إذا أغاثه ، واستناص طلب المناص ، والله أعلم .
[ ص: 152 ] nindex.php?page=treesubj&link=28889 [ سُورَةُ ص ]
ثَمَانُونَ وَثَمَانِ آيَاتٍ مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْكَلَامُ الْمُسْتَقْصَى فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْفَوَاتِحِ مَذْكُورٌ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَلَا بَأْسَ بِإِعَادَةِ بَعْضِ الْوُجُوهِ :
فَالْأَوَّلُ : أَنَّهُ مِفْتَاحُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَوَّلُهَا صَادٌ ، كَقَوْلِنَا صَادِقُ الْوَعْدِ ، صَانِعُ الْمَصْنُوعَاتِ ، صَمَدٌ .
وَالثَّانِي : مَعْنَاهُ صَدَقَ
مُحَمَّدٌ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ اللَّهِ .
الثَّالِثُ : مَعْنَاهُ صَدَّ الْكُفَّارُ عَنْ قَبُولِ هَذَا الدِّينِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=167الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) [النِّسَاءِ : 167] .
الرَّابِعُ : مَعْنَاهُ أَنَّ الْقُرْآنَ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَأَنْتُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا وَلَسْتُمْ قَادِرِينَ عَلَى مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28899أَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ .
الْخَامِسُ : أَنْ يَكُونَ " صَادِ " بِكَسْرِ الدَّالِ مِنَ الْمُصَادَّةِ وَهِيَ الْمُعَارَضَةُ ، وَمِنْهَا الصَّدَى وَهُوَ مَا يُعَارِضُ صَوْتَكَ فِي الْأَمَاكِنِ الْخَالِيَةِ مِنَ الْأَجْسَامِ الصُّلْبَةِ ، وَمَعْنَاهُ عَارِضِ الْقُرْآنَ بِعَمَلِكَ فَاعْمَلْ بِأَوَامِرِهِ وَانْتَهِ عَنْ نَوَاهِيهِ .
السَّادِسُ : أَنَّهُ اسْمُ السُّورَةِ ، وَالتَّقْدِيرُ هَذِهِ صَادٌ ، فَإِنْ قِيلَ هَهُنَا إِشْكَالَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34077_29009قَوْلَهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) قَسَمٌ وَأَيْنَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ ؟
وَالثَّانِي : أَنَّ كَلِمَةَ "بَلْ" تَقْتَضِي رَفْعَ حُكْمٍ ثَبَتَ قَبْلَهَا ، وَإِثْبَاتَ حُكْمٍ بَعْدَهَا يُنَاقِضُ الْحُكْمَ السَّابِقَ ، فَأَيْنَ هَذَا الْمَعْنَى هَهُنَا ؟
وَالْجَوَابُ : عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ مَعْنَى صَادٍ بِمَعْنَى صَدَقَ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَكُونُ صَادٌ هُوَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) هُوَ الْقَسَمَ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ مَحْذُوفًا ، وَالتَّقْدِيرُ سُورَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) إِنَّهُ لَكَلَامٌ مُعْجِزٌ ، لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص ) تَنْبِيهٌ عَلَى التَّحَدِّي .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ صَادٌ اسْمًا لِلسُّورَةِ ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ هَذِهِ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ، وَلَمَّا كَانَ الْمَشْهُورُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدَّعِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ كَوْنَهَا مُعْجِزَةً ، كَانَ قَوْلُهُ هَذِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص ) جَارِيًا مَجْرَى
[ ص: 153 ] قَوْلِهِ : هَذِهِ السُّورَةُ الْمُعْجِزَةُ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ هَذَا حَاتِمٌ وَاللَّهِ ، أَيْ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بِالسَّخَاءِ .
وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الثَّانِي : أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ قَبْلَ كَلِمَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2بَلِ ) ، أَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُ كَوْنَ
مُحَمَّدٍ صَادِقًا فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَوْ كَوْنَ الْقُرْآنِ أَوْ هَذِهِ السُّورَةِ مُعْجِزَةً وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ كَلِمَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2بَلِ ) هَهُنَا هُوَ الْمُنَازَعَةُ وَالْمُشَاقَّةُ فِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ ، فَحَصَلَ الْمَطْلُوبُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَرَأَ
الْحَسَنُ "صَادِ" بِكَسْرِ الدَّالِ لِأَجْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ، وَقَرَأَ
عِيسَى بْنُ عُمَرَ بِنَصْبِ صَادٍ وَنُونٍ وَبِحَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ وَإِيصَالِ فِعْلِهِ ، كَقَوْلِهِمُ اللَّهِ لِأَفْعَلَنَّ ، وَأَكْثَرُ الْقُرَّاءِ عَلَى الْجَزْمِ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ الْعَارِيَةَ عَنِ الْعَوَامِلِ تُذْكَرُ مَوْقُوفَةَ الْأَوَاخِرِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ذِي الذِّكْرِ ) وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : الْمُرَادُ ذِي الشَّرَفِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) [الزُّخْرُفِ : 44] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=10لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 10] وَمَجَازُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ لِفُلَانٍ ذِكْرٌ فِي النَّاسِ ، كَمَا يَقُولُونَ لَهُ صِيتٌ .
الثَّانِي : ذِي الْبَيَانَيْنِ أَيْ فِيهِ قِصَصُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ ، وَفِيهِ بَيَانُ الْعُلُومِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْفَرْعِيَّةِ ، وَمَجَازُهُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=40وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) [الْقَمَرِ : 40] .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29455_29009قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) وَالذِّكْرُ مُحْدَثٌ . بَيَانُ الْأَوَّلِ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) [الزُّخْرُفِ : 44] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=50وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 50] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) [ص : 1] (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ) [يس : 69] .
وَبَيَانُ الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=2مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 2] وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=5وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ ) [الشُّعَرَاءِ : 5] .
وَالْجَوَابُ : أَنَّا نَصْرِفُ دَلِيلَكُمْ إِلَى الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ وَهِيَ مُحْدَثَةٌ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=2بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْكُفَّارُ مِنْ رُؤَسَاءِ
قُرَيْشٍ الَّذِينَ يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِمُ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ عَنِ الِانْقِيَادِ إِلَى الْحَقِّ ، وَالْعِزَّةُ هَهُنَا التَّعْظِيمُ وَمَا يَعْتَقِدُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَمْنَعُهُ مِنْ مُتَابَعَةِ الْغَيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=206وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ) [الْبَقَرَةِ : 206] وَالشِّقَاقُ هُوَ إِظْهَارُ الْمُخَالَفَةِ عَلَى جِهَةِ الْمُسَاوَاةِ لِلْمُخَالَفِ ، أَوْ عَلَى جِهَةِ الْفَضِيلَةِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الشِّقِّ ، كَأَنَّهُ يَرْتَفِعُ عَنْ أَنْ يَلْزَمَهُ الِانْقِيَادُ لَهُ ، بَلْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ فِي شِقٍّ وَخَصْمَهُ فِي شِقٍّ ، فَيُرِيدُ أَنْ يَكُونَ فِي شِقَّةِ نَفْسِهِ ، وَلَا يُجْرَى عَلَيْهِ حُكْمُ خَصْمِهِ ، وَمِثْلُهُ الْمُعَادَاةُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فِي عُدْوَةٍ وَالْآخَرُ فِي عُدْوَةٍ ، وَهِيَ جَانِبُ الْوَادِي ، وَكَذَلِكَ الْمُحَادَّةُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي حَدٍّ غَيْرِ حَدِّ الْآخَرِ ، وَيُقَالُ انْحَرَفَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ ، وَجَانَبَ فُلَانٌ فُلَانًا أَيْ صَارَ مِنْهُ عَلَى حَرْفٍ ، وَفِي جَانِبٍ غَيْرِ جَانِبِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَهُمْ بِالْعِزَّةِ وَالشِّقَاقِ خَوَّفَهُمْ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ نَادَوْا عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَذْكُرْ بِأَيِّ شَيْءٍ نَادَوْا ، وَفِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ نَادَوْا بِالِاسْتِغَاثَةِ لِأَنَّ نِدَاءَ مَنْ نَزَلَ بِهِ الْعَذَابُ لَيْسَ إِلَّا بِالِاسْتِغَاثَةِ .
الثَّانِي : نَادَوْا بِالْإِيمَانِ وَالتَّوْبَةِ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ .
الثَّالِثُ : نَادَوْا أَيْ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ ، يُقَالُ فُلَانٌ أَنْدَى صَوْتًا مِنْ فُلَانٍ أَيْ أَرْفَعُ صَوْتًا ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ) يَعْنِي وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقْتَ فِرَارٍ مِنَ الْعَذَابِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=84فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا ) [غَافِرٍ : 84] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=64حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ) [الْمُؤْمِنُونَ : 64] وَالْجُؤَارُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِغَاثَةِ ، وَكَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=91آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ) [يُونُسَ : 91] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=85فَلَمْ يَكُ )
[ ص: 154 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=85يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ) [غَافِرٍ : 85] بَقِيَ هَهُنَا أَبْحَاثٌ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29009_34077تَحْقِيقِ الْكَلَامِ فِي لَفْظِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3وَلَاتَ ) زَعَمَ
الْخَلِيلُ nindex.php?page=showalam&ids=16076وَسِيبَوَيْهِ أَنَّ "لَاتَ" هِيَ لَا الْمُشَبَّهَةُ بِلَيْسَ زِيدَتْ عَلَيْهَا تَاءُ التَّأْنِيثِ كَمَا زِيدَتْ عَلَى رُبَّ وَثَمَّ لِلتَّأْكِيدِ ، وَبِسَبَبِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ حَدَثَتْ لَهَا أَحْكَامٌ جَدِيدَةٌ ، مِنْهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى الْأَحْيَانِ ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَبْرُزَ إِلَّا أَحَدُ جُزْأَيْهَا ، إِمَّا الِاسْمُ وَإِمَّا الْخَبَرُ ، وَيَمْتَنِعُ بُرُوزُهُمَا جَمِيعًا ، وَقَالَ
الْأَخْفَشُ : إِنَّهَا لَا النَّافِيَةُ لِلْجِنْسِ زِيدَتْ عَلَيْهَا التَّاءُ ، وَخُصَّتْ بِنَفْيِ الْأَحْيَانِ وَ(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3حِينَ مَنَاصٍ ) مَنْصُوبٌ بِهَا كَأَنَّكَ قُلْتَ : وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ لَهُمْ ، وَيَرْتَفِعُ بِالِابْتِدَاءِ أَيْ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ كَائِنٌ لَهُمْ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : الْجُمْهُورُ يَقِفُونَ عَلَى التَّاءِ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=3وَلَاتَ ) وَالْكِسَائِيُّ يَقِفُ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ كَمَا يَقِفُ عَلَى الْأَسْمَاءِ الْمُؤَنَّثَةِ ، قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ : التَّاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْحِينِ فَلَا وَجْهَ لَهُ ، وَاسْتِشْهَادُهُ بِأَنَّ التَّاءَ مُلْتَزِقَةٌ بِحِينَ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ فَضَعِيفٌ ، فَكَمْ وَقَعَتْ فِي الْمُصْحَفِ أَشْيَاءُ خَارِجَةٌ عَنْ قِيَاسِ الْخَطِّ .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : الْمَنَاصُ الْمَنْجَا وَالْغَوْثُ ، يُقَالُ نَاصَهُ يَنُوصُهُ إِذَا أَغَاثَهُ ، وَاسْتَنَاصَ طَلَبَ الْمَنَاصَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .