( إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم إن هذا ما كنتم به تمترون )
قوله تعالى : ( إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم إن هذا ما كنتم به تمترون ) .
اعلم أن المقصود من قوله : ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ) ، فلا جرم ذكر عقيبه قوله : ( إثبات القول بالبعث والقيامة إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ) ، وفي وجوه : تسمية يوم القيامة بيوم الفصل
الأول : قال الحسن : يفصل الله فيه بين أهل الجنة وأهل النار .
الثاني : يفصل في الحكم والقضاء بين عباده .
الثالث : أنه في حق المؤمنين يوم الفصل ، بمعنى أنه يفصل بينه وبين كل ما يكرهه ، وفي حق الكفار ، بمعنى أنه يفصل بينه وبين كل ما يريده .
الرابع : أنه يظهر حال كل أحد كما هو ، فلا يبقى في حاله ريبة ولا شبهة ، فتنفصل الخيالات والشبهات ، وتبقى الحقائق والبينات .
قال رضي الله عنهما : المعنى أن يوم يفصل الرحمن بين عباده ميقاتهم أجمعين البر والفاجر ، ثم وصف ذلك اليوم فقال : ( ابن عباس يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ) يريد: قريب عن قريب ، ( ولا هم ينصرون ) أي ليس لهم ناصر ، والمعنى أن ، وكل هؤلاء يسمون بالمولى ، فلما لم تحصل النصرة منهم فبأن لا تحصل ممن سواهم أولى ، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى : ( الذي يتوقع منه النصرة إما القريب في الدين أو في النسب أو المعتق واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) إلى قوله : ( ولا هم ينصرون ) ، قال الواحدي : والمراد بقوله : ( مولى عن مولى ) الكفار ، ألا [ ص: 215 ] ترى أنه ذكر المؤمن فقال : ( إلا من رحم الله ) قال رضي الله عنهما : يريد المؤمن فإنه تشفع له الأنبياء والملائكة . ابن عباس
اعلم أنه تعالى لما أقام الدلالة على أن ، ثم أردفه بوصف ذلك اليوم ذكر عقيبه وعيد الكفار ، ثم بعده وعد الأبرار ، أما وعيد الكفار فهو قوله : ( القول بالقيامة حق إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ) ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب “ الكشاف “ : قرئ ( إن شجرة الزقوم ) بكسر الشين ، ثم قال : وفيها ثلاث لغات : شجرة بفتح الشين وكسرها ، وشيرة بالياء ، وشبرة بالباء .
المسألة الثانية : البحث عن اشتقاق لفظ الزقوم قد تقدم في سورة والصافات ، فلا فائدة في الإعادة .
المسألة الثالثة : قالت المعتزلة : الآية تدل على حصول هذا ، والأثيم هو الذي صدر عنه الإثم ، فيكون هذا الوعيد حاصلا للفساق ، والجواب : أنا بينا في أصول الفقه أن اللفظ المفرد الذي دخل عليه حرف التعريف الأصل فيه أن ينصرف إلى المذكور السابق ، ولا يفيد العموم ، وههنا المذكور السابق هو الكافر ، فينصرف إليه . الوعيد الشديد للأثيم
المسألة الرابعة : مذهب أن أبي حنيفة جائز ، واحتج عليه بأنه نقل أن قراءة القرآن بالمعنى ابن مسعود كان يقرئ رجلا هذه الآية فكان يقول : طعام اللئيم ، فقال : قل: طعام الفاجر ، وهذا الدليل في غاية الضعف على ما بيناه في أصول الفقه .
ثم قال : ( كالمهل ) قرئ بضم الميم وفتحها وسبق تفسيره في سورة الكهف ، وقد شبه الله تعالى هذا الطعام بالمهل ، وهو دردي الزيت وعكر القطران ومذاب النحاس وسائر الفلزات ، وتم الكلام ههنا ، ثم أخبر عن غليانه في بطون الكفار فقال : ( يغلي في البطون ) ، وقرئ بالتاء فمن قرأ بالتاء فلتأنيث الشجرة ، ومن قرأ بالياء حمله على الطعام في قوله : ( طعام الأثيم ) لأن الطعام هو [ ثمر ] الشجرة في المعنى ، واختار أبو عبيد الياء لأن الاسم المذكور يعني المهل هو الذي يلي الفعل فصار التذكير به أولى ، واعلم أنه لا يجوز أن يحمل الغلي على المهل لأن المهل مشبه به ، وإنما يغلي ما يشبه بالمهل كغلي الحميم ، والماء إذا اشتد غليانه فهو حميم .
ثم قال : ( خذوه ) أي خذوا الأثيم ، ( فاعتلوه ) قرئ بكسر التاء ، قال الليث : أن تأخذ بمنكب الرجل فتعتله أي تجره إليك وتذهب به إلى حبس أو محنة ، وأخذ فلان بزمام الناقة يعتلها وذلك إذا قبض على أصل الزمام عند الرأس وقادها قودا عنيفا ، وقال العتل : عتلته إلى السجن وأعتلته إذا دفعته دفعا عنيفا ، هذا قول جميع أهل اللغة في العتل ، وذكروا في اللغتين ضم التاء وكسرها ، وهما صحيحان مثل : يعكفون ويعكفون ، ويعرشون ويعرشون . ابن السكيت
قوله تعالى : ( إلى سواء الجحيم ) أي إلى وسط الجحيم ، ( ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ) وكان الأصل أن يقال : ثم صبوا من فوق رأسه الحميم أو يصب من فوق رءوسهم الحميم إلا أن هذه الاستعارة أكمل في المبالغة كأنه يقول : صبوا عليه عذاب ذلك الحميم ، ونظيره قوله تعالى : ( ربنا أفرغ علينا صبرا ) [ البقرة : 250 ] و ( ذق إنك أنت العزيز الكريم ) ذكروا فيه وجوها :
الأول : أنه يخاطب بذلك على [ ص: 216 ] سبيل الاستهزاء ، والمراد إنك أنت بالضد منه .
والثاني : أن أبا جهل قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما بين جبليها أعز ولا أكرم مني ، فوالله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا .
والثالث : أنك كنت تعتز لا بالله فانظر ما وقعت فيه ، وقرئ أنك بمعنى لأنك .
ثم قال : ( إن هذا ما كنتم به تمترون ) أي إن هذا العذاب ما كنتم به تمترون أي تشكون ، والمراد منه ما ذكره في أول السورة حيث قال : ( بل هم في شك يلعبون ) .