[ ص: 227 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=17وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=18ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=19إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=20هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=17وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=18ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=19إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=20هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) .
اعلم أنه تعالى بين أنه
nindex.php?page=treesubj&link=32419أنعم بنعم كثيرة على بني إسرائيل ، مع أنه حصل بينهم الاختلاف على سبيل البغي والحسد ، والمقصود أن يبين أن طريقة قومه كطريقة من تقدم .
واعلم أن النعم على قسمين : نعم الدين ، ونعم الدنيا ، ونعم الدين أفضل من نعم الدنيا ، فلهذا بدأ الله تعالى بذكر نعم الدين ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ) والأقرب أن كل واحد من هذه الثلاثة يجب أن يكون مغايرا لصاحبه ، أما (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16الكتاب ) فهو التوراة ، وأما (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16الحكم ) ففيه وجوه : يجوز أن يكون المراد العلم والحكمة ، ويجوز أن يكون المراد العلم بفصل الحكومات ، ويجوز أن يكون المراد معرفة أحكام الله تعالى وهو علم الفقه ، وأما النبوة فمعلومة ، وأما نعم الدنيا فهي المراد من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16ورزقناهم من الطيبات ) ، وذلك لأنه تعالى وسع عليهم في الدنيا ، فأورثهم أموال قوم فرعون وديارهم ثم أنزل عليهم المن والسلوى ، ولما بين تعالى أنه أعطاهم من نعم الدين ونعم الدنيا نصيبا وافرا ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16وفضلناهم على العالمين ) يعني أنهم كانوا أكبر درجة وأرفع منقبة ممن سواهم في وقتهم ، فلهذا المعنى قال المفسرون : المراد : وفضلناهم عن عالمي زمانهم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=17وآتيناهم بينات من الأمر ) وفيه وجوه :
الأول : أنه آتاهم بينات من الأمر ، أي أدلة على أمور الدنيا .
الثاني : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يعني بين لهم من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يهاجر من
تهامة إلى
يثرب ، ويكون أنصاره
أهل يثرب .
الثالث : المراد (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=17وآتيناهم بينات ) أي معجزات قاهرة على صحة نبوتهم ، والمراد
[ ص: 228 ] معجزات
موسى عليه السلام .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=17فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ) ، وهذا مفسر في سورة (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم عسق ) ، والمقصود من ذكر هذا الكلام التعجب من هذه الحالة ، لأن حصول العلم يوجب ارتفاع الخلاف ، وههنا صار مجيء العلم سببا لحصول الاختلاف ، وذلك لأنهم لم يكن مقصودهم من العلم نفس العلم ، وإنما المقصود منه طلب الرياسة والتقدم ، ثم ههنا احتمالات يريد أنهم علموا ثم عاندوا ، ويجوز أن يريد بالعلم الدلالة التي توصل إلى العلم ، والمعنى أنه تعالى وضع الدلائل والبينات التي لو تأملوا فيها لعرفوا الحق ، لكنهم على وجه الحسد والعناد اختلفوا وأظهروا النزاع .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=17إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) ، والمراد أنه لا ينبغي أن
nindex.php?page=treesubj&link=19793_29497_30550_30200يغتر المبطل بنعم الدنيا ، فإنها وإن ساوت نعم المحق أو زادت عليها ، فإنه سيرى في الآخرة ما يسوؤه ، وذلك كالزجر لهم ، ولما بين تعالى أنهم أعرضوا عن الحق لأجل البغي والحسد أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يعدل عن تلك الطريقة ، وأن يتمسك بالحق ، وأن لا يكون له غرض سوى إظهار الحق وتقرير الصدق ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=28750_29550ثم جعلناك على شريعة من الأمر ) أي على طريقة ومنهاج من أمر الدين ، فاتبع شريعتك الثابتة بالدلائل والبينات ، ولا تتبع ما لا حجة عليه من أهواء الجهال وأديانهم المبنية على الأهواء والجهل ، قال
الكلبي : إن رؤساء
قريش قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو
بمكة : ارجع إلى ملة آبائك فهم كانوا أفضل منك وأسن ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=19إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ) أي لو ملت إلى أديانهم الباطلة فصرت مستحقا للعذاب ، فهم لا يقدرون على دفع عذاب الله عنك ، ثم بين تعالى أن
nindex.php?page=treesubj&link=28806_28766الظالمين يتولى بعضهم بعضا في الدنيا وفي الآخرة ، ولا ولي لهم ينفعهم في إيصال الثواب وإزالة العقاب ، وأما المتقون المهتدون فالله وليهم وناصرهم وهم موالوه ، وما أبين الفرق بين الولايتين ، ولما بين الله تعالى هذه البيانات الباقية النافعة ، قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=20هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون ) ، وقد فسرناه في آخر سورة الأعراف ، والمعنى هذا
nindex.php?page=treesubj&link=29568القرآن بصائر للناس جعل ما فيه من البيانات الشافية والبينات الكافية بمنزلة البصائر في القلوب ، كما جعل في سائر الآيات روحا وحياة ، وهو هدى من الضلالة ، ورحمة من العذاب لمن آمن وأيقن ، ولما بين الله تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=34077الفرق بين الظالمين وبين المتقين من الوجه الذي تقدم ، بين الفرق بينهما من وجه آخر فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ، وفيه مباحث :
البحث الأول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أم ) كلمة وضعت للاستفهام عن شيء حال كونه معطوفا على شيء آخر ، سواء كان ذلك المعطوف مذكورا أو مضمرا ، والتقدير ههنا : أفيعلم المشركون هذا ، أم يحسبون أنا نتولاهم كما نتولى المتقين ؟
البحث الثاني : الاجتراح : الاكتساب ، ومنه الجوارح ، وفلان جارحة أهله أي كاسبهم ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60ويعلم ما جرحتم بالنهار ) [ الأنعام : 60 ] .
البحث الثالث : قال
الكلبي : نزلت هذه الآية في
علي وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=5وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم ، وفي ثلاثة من المشركين :
عتبة وشيبة nindex.php?page=showalam&ids=15497والوليد بن عتبة ، قالوا للمؤمنين : والله ما أنتم على شيء ، ولو كان ما
[ ص: 229 ] تقولون حقا لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة ، كما أنا أفضل حالا منكم في الدنيا ، فأنكر الله عليهم هذا الكلام ، وبين أنه لا يمكن أن يكون حال المؤمن المطيع مساويا لحال الكافر العاصي في درجات الثواب ، ومنازل السعادات .
واعلم أن لفظ (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21حسب ) يستدعي مفعولين :
أحدهما : الضمير المذكور في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أن نجعلهم ) .
والثاني : الكاف في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21كالذين آمنوا ) ، والمعنى : أحسب - هؤلاء المجترحين - أن نجعلهم أمثال الذين آمنوا ؟ .
ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=18أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ) [ السجدة : 18 ] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=51إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=52يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ) [ غافر : 51 ، 52 ] ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=35أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون ) [ القلم : 35 ، 36 ] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=28أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) [ ص : 28 ] .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21سواء محياهم ومماتهم ) ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
حمزة والكسائي وحفص عن
عاصم ( سواء ) بالنصب ، والباقون بالرفع ، واختيار
أبي عبيد النصب ، أما وجه القراءة بالرفع فهو أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21محياهم ومماتهم ) مبتدأ والجملة في حكم المفرد في محل النصب على البدل من المفعول الثاني لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=28أم نجعل ) وهو الكاف في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21كالذين آمنوا ) ، ونظيره قوله : ظننت زيدا أبوه منطلق ، وأما وجه القراءة بالنصب فقال صاحب “ الكشاف “ : أجرى (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21سواء ) مجرى مستويا فارتفع (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21محياهم ومماتهم ) على الفاعلية وكان مفردا غير جملة ، ومن قرأ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21ومماتهم ) بالنصب جعل (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21محياهم ومماتهم ) ظرفين كمقدم الحاج ، وخفوق النجم ، أي سواء في محياهم وفي مماتهم ، قال
أبو علي : من نصب سواء جعل المحيا والممات بدلا من الضمير المنصوب في نجعلهم فيصير التقدير أن نجعل محياهم ومماتهم سواء ، قال : ويجوز أن نجعله حالا ويكون المفعول الثاني هو الكاف في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21كالذين ) .
المسألة الثانية : اختلفوا في المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21محياهم ومماتهم ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يعني أحسبوا أن حياتهم ومماتهم كحياة المؤمنين وموتهم ؟ كلا ، فإنهم يعيشون كافرين ويموتون كافرين ، والمؤمنون يعيشون مؤمنين ويموتون مؤمنين ، وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28806_29676_29677المؤمن ما دام يكون في الدنيا فإنه يكون وليه هو الله وأنصاره المؤمنون وحجة الله معه ، والكافر بالضد منه ، كما ذكره في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=19وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض ) ، وعند القرب إلى الموت ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=32882حال المؤمن ما ذكره في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة ) [ النحل : 32 ] ،
nindex.php?page=treesubj&link=32883وحال الكافر ما ذكره في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) [ النحل : 28 ] ، وأما في القيامة فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=38وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ) [ عبس : 38 41 ] ، فهذا هو الإشارة إلى بيان وقوع التفاوت بين الحالتين .
والوجه الثاني في تأويل الآية أن يكون المعنى إنكار أن يستووا في الممات كما استووا في الحياة ، وذلك لأن المؤمن والكافر قد يستوي محياهم في الصحة والرزق والكفاية بل قد يكون الكافر أرجح حالا من المؤمن ، وإنما يظهر الفرق بينهما في الممات .
والوجه الثالث في التأويل أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21سواء محياهم ومماتهم ) مستأنف على معنى أن
nindex.php?page=treesubj&link=32883_30501محيا المسيئين ومماتهم سواء ، فكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=32882_30501_30503_30514محيا المحسنين ومماتهم ، أي كل يموت على حسب ما عاش عليه ، ثم إنه تعالى صرح بإنكار تلك التسوية فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21ساء ما يحكمون ) ، وهو ظاهر .
[ ص: 227 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=17وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=18ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=19إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=20هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=17وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=18ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=19إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=20هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=32419أَنْعَمَ بِنِعَمٍ كَثِيرَةٍ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، مَعَ أَنَّهُ حَصَلَ بَيْنَهُمُ الِاخْتِلَافُ عَلَى سَبِيلِ الْبَغْيِ وَالْحَسَدِ ، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ طَرِيقَةَ قَوْمِهِ كَطَرِيقَةِ مَنْ تَقَدَّمَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ النِّعَمَ عَلَى قِسْمَيْنِ : نِعَمُ الدِّينِ ، وَنِعَمُ الدُّنْيَا ، وَنِعَمُ الدِّينِ أَفْضَلُ مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا ، فَلِهَذَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِ نِعَمِ الدِّينِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ) وَالْأَقْرَبُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُغَايِرًا لِصَاحِبِهِ ، أَمَّا (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16الْكِتَابَ ) فَهُوَ التَّوْرَاةُ ، وَأَمَّا (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16الْحُكْمَ ) فَفِيهِ وُجُوهٌ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْعِلْمَ وَالْحِكْمَةَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْعِلْمَ بِفَصْلِ الْحُكُومَاتِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَعْرِفَةَ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ عِلْمُ الْفِقْهِ ، وَأَمَّا النُّبُوَّةُ فَمَعْلُومَةٌ ، وَأَمَّا نِعَمُ الدُّنْيَا فَهِيَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَسَّعَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا ، فَأَوْرَثَهُمْ أَمْوَالَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ وَدِيَارَهُمْ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ، وَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ مِنْ نِعَمِ الدِّينِ وَنِعَمِ الدُّنْيَا نَصِيبًا وَافِرًا ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا أَكْبَرَ دَرَجَةً وَأَرْفَعَ مَنْقَبَةً مِمَّنْ سِوَاهُمْ فِي وَقْتِهِمْ ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : الْمُرَادُ : وَفَضَّلْنَاهُمْ عَنْ عَالَمِي زَمَانِهِمْ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=17وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ ) وَفِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ آتَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ ، أَيْ أَدِلَّةً عَلَى أُمُورِ الدُّنْيَا .
الثَّانِي : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يَعْنِي بَيَّنَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُهَاجِرُ مِنْ
تِهَامَةَ إِلَى
يَثْرِبَ ، وَيَكُونُ أَنْصَارُهُ
أَهْلَ يَثْرِبَ .
الثَّالِثُ : الْمُرَادُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=17وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ ) أَيْ مُعْجِزَاتٍ قَاهِرَةً عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِمْ ، وَالْمُرَادُ
[ ص: 228 ] مُعْجِزَاتُ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=17فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) ، وَهَذَا مُفَسَّرٌ فِي سُورَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم عسق ) ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ التَّعَجُّبُ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ ، لِأَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ يُوجِبُ ارْتِفَاعَ الْخِلَافِ ، وَهَهُنَا صَارَ مَجِيءُ الْعِلْمِ سَبَبًا لِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ نَفْسَ الْعِلْمِ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ طَلَبُ الرِّيَاسَةِ وَالتَّقَدُّمِ ، ثُمَّ هَهُنَا احْتِمَالَاتٌ يُرِيدُ أَنَّهُمْ عَلِمُوا ثُمَّ عَانَدُوا ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْعِلْمِ الدَّلَالَةَ الَّتِي تُوَصِّلُ إِلَى الْعِلْمِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى وَضَعَ الدَّلَائِلَ وَالْبَيِّنَاتِ الَّتِي لَوْ تَأَمَّلُوا فِيهَا لَعَرَفُوا الْحَقَّ ، لَكِنَّهُمْ عَلَى وَجْهِ الْحَسَدِ وَالْعِنَادِ اخْتَلَفُوا وَأَظْهَرُوا النِّزَاعَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=17إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19793_29497_30550_30200يَغْتَرَّ الْمُبْطِلُ بِنِعَمِ الدُّنْيَا ، فَإِنَّهَا وَإِنْ سَاوَتْ نِعَمَ الْمُحِقِّ أَوْ زَادَتْ عَلَيْهَا ، فَإِنَّهُ سَيَرَى فِي الْآخِرَةِ مَا يَسُوؤُهُ ، وَذَلِكَ كَالزَّجْرِ لَهُمْ ، وَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنِ الْحَقِّ لِأَجْلِ الْبَغْيِ وَالْحَسَدِ أَمَرَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَعْدِلَ عَنْ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ ، وَأَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْحَقِّ ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ غَرَضٌ سِوَى إِظْهَارِ الْحَقِّ وَتَقْرِيرِ الصِّدْقِ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=28750_29550ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ ) أَيْ عَلَى طَرِيقَةٍ وَمِنْهَاجٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ ، فَاتَّبِعْ شَرِيعَتَكَ الثَّابِتَةَ بِالدَّلَائِلِ وَالْبَيِّنَاتِ ، وَلَا تَتَّبِعْ مَا لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْوَاءِ الْجُهَّالِ وَأَدْيَانِهِمُ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْأَهْوَاءِ وَالْجَهْلِ ، قَالَ
الْكَلْبِيُّ : إِنَّ رُؤَسَاءَ
قُرَيْشٍ قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ
بِمَكَّةَ : ارْجِعْ إِلَى مِلَّةِ آبَائِكَ فَهُمْ كَانُوا أَفْضَلَ مِنْكَ وَأَسَنَّ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=19إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) أَيْ لَوْ مِلْتَ إِلَى أَدْيَانِهِمُ الْبَاطِلَةِ فَصِرْتَ مُسْتَحِقًّا لِلْعَذَابِ ، فَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِ عَذَابِ اللَّهِ عَنْكَ ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28806_28766الظَّالِمِينَ يَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ، وَلَا وَلِيَّ لَهُمْ يَنْفَعُهُمْ فِي إِيصَالِ الثَّوَابِ وَإِزَالَةِ الْعِقَابِ ، وَأَمَّا الْمُتَّقُونَ الْمُهْتَدُونَ فَاللَّهُ وَلِيُّهُمْ وَنَاصِرُهُمْ وَهُمْ مُوَالُوهُ ، وَمَا أَبْيَنَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَلَايَتَيْنِ ، وَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْبَيَانَاتِ الْبَاقِيَةَ النَّافِعَةَ ، قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=20هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ ، وَالْمَعْنَى هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=29568الْقُرْآنُ بَصَائِرُ لِلنَّاسِ جَعَلَ مَا فِيهِ مِنَ الْبَيَانَاتِ الشَّافِيَةِ وَالْبَيِّنَاتِ الْكَافِيَةِ بِمَنْزِلَةِ الْبَصَائِرِ فِي الْقُلُوبِ ، كَمَا جَعَلَ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ رُوحًا وَحَيَاةً ، وَهُوَ هُدًى مِنَ الضَّلَالَةِ ، وَرَحْمَةٌ مِنَ الْعَذَابِ لِمَنْ آمَنَ وَأَيْقَنَ ، وَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=34077الْفَرْقَ بَيْنَ الظَّالِمِينَ وَبَيْنَ الْمُتَّقِينَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ ، بَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) ، وَفِيهِ مَبَاحِثُ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أَمْ ) كَلِمَةٌ وُضِعَتْ لِلِاسْتِفْهَامِ عَنْ شَيْءٍ حَالَ كَوْنِهِ مَعْطُوفًا عَلَى شَيْءٍ آخَرَ ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْطُوفُ مَذْكُورًا أَوْ مُضْمَرًا ، وَالتَّقْدِيرُ هَهُنَا : أَفَيَعْلَمُ الْمُشْرِكُونَ هَذَا ، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا نَتَوَلَّاهُمْ كَمَا نَتَوَلَّى الْمُتَّقِينَ ؟
الْبَحْثُ الثَّانِي : الِاجْتِرَاحُ : الِاكْتِسَابُ ، وَمِنْهُ الْجَوَارِحُ ، وَفُلَانٌ جَارِحَةُ أَهْلِهِ أَيْ كَاسِبُهُمْ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ) [ الْأَنْعَامِ : 60 ] .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : قَالَ
الْكَلْبِيُّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي
عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ nindex.php?page=showalam&ids=5وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَفِي ثَلَاثَةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ :
عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15497وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ ، قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ : وَاللَّهِ مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ، وَلَوْ كَانَ مَا
[ ص: 229 ] تَقُولُونَ حَقًّا لَكَانَ حَالُنَا أَفْضَلَ مِنْ حَالِكُمْ فِي الْآخِرَةِ ، كَمَا أَنَّا أَفْضَلُ حَالًا مِنْكُمْ فِي الدُّنْيَا ، فَأَنْكَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْكَلَامَ ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَالُ الْمُؤْمِنِ الْمُطِيعِ مُسَاوِيًا لِحَالِ الْكَافِرِ الْعَاصِي فِي دَرَجَاتِ الثَّوَابِ ، وَمَنَازِلِ السَّعَادَاتِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21حَسِبَ ) يَسْتَدْعِي مَفْعُولَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : الضَّمِيرُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أَنْ نَجْعَلَهُمْ ) .
وَالثَّانِي : الْكَافُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21كَالَّذِينَ آمَنُوا ) ، وَالْمَعْنَى : أَحَسِبَ - هَؤُلَاءِ الْمُجْتَرِحِينَ - أَنْ نَجْعَلَهُمْ أَمْثَالَ الَّذِينَ آمَنُوا ؟ .
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=18أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ) [ السَّجْدَةِ : 18 ] ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=51إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=52يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) [ غَافِرٍ : 51 ، 52 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=35أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) [ الْقَلَمِ : 35 ، 36 ] ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=28أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) [ ص : 28 ] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ) ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ ( سَوَاءً ) بِالنَّصْبِ ، وَالْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ ، وَاخْتِيَارُ
أَبِي عُبَيْدٍ النَّصْبُ ، أَمَّا وَجْهُ الْقِرَاءَةِ بِالرَّفْعِ فَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ) مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ فِي حُكْمِ الْمُفْرَدِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=28أَمْ نَجْعَلُ ) وَهُوَ الْكَافُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21كَالَّذِينَ آمَنُوا ) ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : ظَنَنْتُ زَيْدًا أَبُوهُ مُنْطَلِقٌ ، وَأَمَّا وَجْهُ الْقِرَاءَةِ بِالنَّصْبِ فَقَالَ صَاحِبُ “ الْكَشَّافِ “ : أَجْرَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21سَوَاءً ) مُجْرَى مُسْتَوِيًا فَارْتَفَعَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ) عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَكَانَ مُفْرَدًا غَيْرَ جُمْلَةٍ ، وَمَنْ قَرَأَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21وَمَمَاتُهُمْ ) بِالنَّصْبِ جَعَلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ) ظَرْفَيْنِ كَمَقْدَمِ الْحَاجِّ ، وَخُفُوقِ النَّجْمِ ، أَيْ سَوَاءً فِي مَحْيَاهُمْ وَفِي مَمَاتِهِمْ ، قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ : مَنْ نَصَبَ سَوَاءً جَعَلَ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتَ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي نَجْعَلَهُمْ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ أَنْ نَجْعَلَ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتَهُمْ سَوَاءً ، قَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ نَجْعَلَهُ حَالًا وَيَكُونُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي هُوَ الْكَافُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21كَالَّذِينَ ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : يَعْنِي أَحَسِبُوا أَنَّ حَيَاتَهُمْ وَمَمَاتَهُمْ كَحَيَاةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْتِهِمْ ؟ كَلَّا ، فَإِنَّهُمْ يَعِيشُونَ كَافِرِينَ وَيَمُوتُونَ كَافِرِينَ ، وَالْمُؤْمِنُونَ يَعِيشُونَ مُؤْمِنِينَ وَيَمُوتُونَ مُؤْمِنِينَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28806_29676_29677الْمُؤْمِنَ مَا دَامَ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يَكُونُ وَلِيُّهُ هُوَ اللَّهُ وَأَنْصَارُهُ الْمُؤْمِنُونَ وَحُجَّةُ اللَّهِ مَعَهُ ، وَالْكَافِرُ بِالضِّدِّ مِنْهُ ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=19وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) ، وَعِنْدَ الْقُرْبِ إِلَى الْمَوْتِ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32882حَالَ الْمُؤْمِنِ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=32الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ) [ النَّحْلِ : 32 ] ،
nindex.php?page=treesubj&link=32883وَحَالُ الْكَافِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) [ النَّحْلِ : 28 ] ، وَأَمَّا فِي الْقِيَامَةِ فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=38وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ) [ عَبَسَ : 38 41 ] ، فَهَذَا هُوَ الْإِشَارَةُ إِلَى بَيَانِ وُقُوعِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إِنْكَارُ أَنْ يَسْتَوُوا فِي الْمَمَاتِ كَمَا اسْتَوَوْا فِي الْحَيَاةِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ قَدْ يَسْتَوِي مَحْيَاهُمْ فِي الصِّحَّةِ وَالرِّزْقِ وَالْكِفَايَةِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْكَافِرُ أَرْجَحَ حَالًا مِنَ الْمُؤْمِنِ ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَمَاتِ .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي التَّأْوِيلِ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ) مُسْتَأْنَفٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32883_30501مَحْيَا الْمُسِيئِينَ وَمَمَاتَهُمْ سَوَاءٌ ، فَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=32882_30501_30503_30514مَحْيَا الْمُحْسِنِينَ وَمَمَاتُهُمْ ، أَيْ كُلٌّ يَمُوتُ عَلَى حَسَبِ مَا عَاشَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى صَرَّحَ بِإِنْكَارِ تِلْكَ التَّسْوِيَةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .