(
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=23قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=23قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) .
اعلم أنه تعالى لما أورد أنواع الدلائل في إثبات التوحيد والنبوة ، وكان
أهل مكة بسبب استغراقهم في لذات الدنيا واشتغالهم بطلبها أعرضوا عنها ، ولم يلتفتوا إليها ، ولهذا السبب قال تعالى في حقهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) فلما كان الأمر كذلك بين أن
nindex.php?page=treesubj&link=31843قوم عاد كانوا أكثر أموالا وقوة وجاها منهم ، ثم إن الله تعالى سلط العذاب عليهم بسبب شؤم كفرهم فذكر هذه القصة ههنا
[ ص: 24 ] ليعتبر بها
أهل مكة ، فيتركوا الاغترار بما وجدوه من الدنيا ويقبلوا على طلب الدين ، فلهذا المعنى ذكر الله تعالى هذه القصة في هذا الموضع ، وهو مناسب لما تقدم ؛ لأن من أراد تقبيح طريقة عند قوم كان الطريق فيه ضرب الأمثال ، وتقديره : أن من واظب على تلك الطريقة نزل به من البلاء كذا وكذا ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21واذكر أخا عاد ) أي : واذكر يا
محمد لقومك
أهل مكة هودا عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21إذ أنذر قومه ) أي : حذرهم عذاب الله إن لم يؤمنوا ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21بالأحقاف ) قال
أبو عبيدة : الحقف الرمل المعوج ، ومنه قيل للمعوج : محقوف ، وقال
الفراء : الأحقاف واحدها حقف وهو الكثيب المكسر غير العظيم وفيه اعوجاج ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : "الأحقاف" واد بين
عمان ومهرة ، و "النذر" جمع نذير بمعنى المنذر (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21من بين يديه ) من قبله (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21ومن خلفه ) من بعده والمعنى : أن
هودا عليه السلام قد أنذرهم وقال لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) .
واعلم أن الرسل الذين بعثوا قبله والذين سيبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره .
ثم حكى تعالى عن الكفار أنهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22قالوا أجئتنا لتأفكنا ) الإفك الصرف ، يقال : أفكه عن رأيه أي صرفه ، وقيل : بل المراد لتزيلنا بضرب من الكذب : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22عن آلهتنا ) وعن عبادتها (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22فأتنا بما تعدنا ) معاجلة العذاب على الشرك (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22إن كنت من الصادقين ) في وعدك ، فعند هذا قال
هود : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=23إنما العلم عند الله ) وإنما صلح هذا الكلام جوابا لقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22فأتنا بما تعدنا ) لأن قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22فأتنا بما تعدنا ) استعجال منهم لذلك العذاب ، فقال لهم
هود : لا علم عندي بالوقت الذي يحصل فيه ذلك العذاب ، إنما علم ذلك عند الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=23وأبلغكم ما أرسلت به ) وهو التحذير عن العذاب ، وأما العلم بوقته فما أوحاه الله إلي (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=23ولكني أراكم قوما تجهلون ) وهذا يحتمل وجوها :
الأول : المراد أنكم لا تعلمون أن الرسل لم يبعثوا سائلين عن غير ما أذن لهم فيه وإنما بعثوا مبلغين .
الثاني : أراكم قوما تجهلون من حيث إنكم بقيتم مصرين على كفركم وجهلكم فيغلب على ظني أنه قرب الوقت الذي ينزل عليكم العذاب بسبب هذا الجهل المفرط والوقاحة التامة .
الثالث : إني أراكم قوما تجهلون حيث تصرون على طلب العذاب ، وهب أنه لم يظهر لكم كوني صادقا ، ولكن لم يظهر أيضا لكم كوني كاذبا فالإقدام على الطلب الشديد لهذا العذاب جهل عظيم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24فلما رأوه ) ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد في الضمير في رأوه قولين أحدهما : أنه عائد إلى غير مذكور وبينه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24عارضا ) كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=45ما ترك على ظهرها من دابة ) [فاطر : 45] ولم يذكر الأرض لكونها معلومة فكذا ههنا الضمير عائد إلى السحاب ، كأنه قيل : فلما رأوا السحاب عارضا وهذا اختيار
الزجاج ويكون من باب الإضمار لا على شريطة التفسير .
والقول الثاني : أن يكون الضمير عائدا إلى ما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22فأتنا بما تعدنا ) أي : فلما رأوا ما يوعدون به عارضا ، قال
أبو زيد : العارض السحابة التي ترى في ناحية السماء ثم تطبق ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24مستقبل أوديتهم ) قال المفسرون : كانت
عاد قد حبس عنهم المطر أياما فساق الله إليهم سحابة سوداء فخرجت عليهم من واد يقال له :
المغيث فلما رأوه مستقبل أوديتهم استبشروا و (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24قالوا هذا عارض ممطرنا ) والمعنى ممطر إيانا ، قيل كان
هود قاعدا في قومه فجاء سحاب مكثر فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24هذا عارض ممطرنا ) فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24بل هو ما استعجلتم به ) من العذاب ثم بين ماهيته فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24ريح فيها عذاب أليم ) . ثم وصف تلك الريح فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تدمر كل شيء ) أي تهلك كل شيء من الناس والحيوان والنبات (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25بأمر ربها ) والمعنى أن هذا ليس من باب تأثيرات الكواكب والقرانات ، بل هو أمر حدث ابتداء بقدرة الله تعالى لأجل تعذيبكم
[ ص: 25 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25فأصبحوا ) يعني : عادا (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25لا يرى إلا مساكنهم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : روي أن الريح كانت تحمل الفسطاط فترفعها في الجو حتى يرى كأنها جرادة ، وقيل : أول من أبصر العذاب امرأة منهم قالت : رأيت ريحا فيها كشهب النار ، وروي أن أول ما عرفوا به أنه عذاب أليم أنهم رأوا ما كان في الصحراء من رجالهم ومواشيهم يطير به الريح بين السماء والأرض فدخلوا بيوتهم وغلقوا أبوابهم فعلقت الريح الأبواب وصرعتهم ، وأحال الله عليهم الأحقاف ، فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين ، ثم كشفت الريح عنهم فاحتملتهم فطرحتهم في البحر ، وروي أن
هودا لما أحس بالريح خط على نفسه وعلى المؤمنين خطا إلى جنب عين تنبع فكانت الريح التي تصيبهم ريحا لينة هادئة طيبة ،
nindex.php?page=treesubj&link=31843والريح التي تصيب قوم عاد ترفعهم من الأرض وتطيرهم إلى السماء وتضربهم على الأرض ، وأثر المعجزة إنما ظهر في تلك الريح من هذا الوجه ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
ما أمر الله خازن الرياح أن يرسل على عاد إلا مثل مقدار الخاتم " ثم إن ذلك القدر أهلكهم بكليتهم ، والمقصود من هذا الكلام إظهار كمال قدرة الله تعالى ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013713وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رأى الريح فزع وقال : " nindex.php?page=treesubj&link=24437اللهم إني أسألك خيرها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها ومن شر ما أرسلت به" .
المسألة الثالثة : قرأ
عاصم وحمزة : " لا يرى " بالياء وضمها "مساكنهم" بضم النون ، قال
الكسائي : معناه لا يرى شيء إلا مساكنهم وقرأ
نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكسائي : "لا نرى" على الخطاب أي لا ترى أنت أيها المخاطب ، وفي بعض الروايات عن
عاصم "لا ترى" بالتاء مساكنهم بضم النون وهي قراءة
الحسن ، والتأويل لا ترى من بقايا عاد أشياء إلا مساكنهم . وقال الجمهور هذه القراءة ليست بالقوية .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25كذلك نجزي القوم المجرمين ) والمقصود منه
nindex.php?page=treesubj&link=30539تخويف كفار مكة ، فإن قيل : لما قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=33وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) فكيف يبقى التخويف حاصلا؟ قلنا : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=33وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) إنما أنزل في آخر الأمر فكان التخويف حاصلا قبل نزوله .
ثم إنه تعالى خوف كفار
مكة ، وذكر
nindex.php?page=treesubj&link=31843فضل عاد بالقوة والجسم عليهم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد "ما" في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26فيما ) بمنزلة الذي . و : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26إن ) بمنزلة ما والتقدير : ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه ، والمعنى أنهم كانوا أشد منكم قوة وأكثر منكم أموالا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : كلمة " إن " زائدة . والتقدير : ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ، وهذا غلط لوجوه :
الأول : أن الحكم بأن حرفا من كتاب الله عبث لا يقول به عاقل .
والثاني : أن المقصود من هذا الكلام أنهم كانوا أقوى منكم قوة ، ثم إنهم مع زيادة القوة ما نجوا من عقاب الله فكيف يكون حالكم ، وهذا المقصود إنما يتم لو دلت الآية على أنهم كانوا أقوى من قوم مكة .
الثالث : أن سائر الآيات تفيد هذا المعنى ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=74هم أحسن أثاثا ) [مريم : 74] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=82كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض ) [غافر : 82] .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ) والمعنى أنا فتحنا عليهم أبواب النعم وأعطيناهم سمعا فما استعملوه في سماع الدلائل ، وأعطيناهم أبصارا فما استعملوها في تأمل العبر ، وأعطيناهم أفئدة فما استعملوها في طلب معرفة الله تعالى ، بل صرفوا كل هذه القوى إلى طلب الدنيا ولذاتها ، فلا جرم ما أغنى سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من عذاب الله شيئا .
[ ص: 26 ] ثم بين تعالى أنه إنما لم يغن عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم لأجل أنهم كانوا يجحدون بآيات الله ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26إذ كانوا يجحدون ) بمنزلة التعليل ، ولفظ "إذ" قد يذكر لإفادة التعليل تقول : ضربته إذ أساء ، والمعنى ضربته لأنه أساء ، وفي هذه الآية تخويف
لأهل مكة فإن
nindex.php?page=treesubj&link=31843_30539قوم عاد لما اغتروا بدنياهم وأعرضوا عن قبول الدليل والحجة نزل بهم عذاب الله ، ولم تغن عنهم قوتهم ولا كثرتهم ،
فأهل مكة مع عجزهم وضعفهم أولى بأن يحذروا من عذاب الله تعالى ويخافوا .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) يعني أنهم كانوا يطلبون نزول العذاب وإنما كانوا يطلبونه على سبيل الاستهزاء ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=23قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=23قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَوْرَدَ أَنْوَاعَ الدَّلَائِلِ فِي إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ ، وَكَانَ
أَهْلُ مَكَّةَ بِسَبَبِ اسْتِغْرَاقِهِمْ فِي لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَاشْتِغَالِهِمْ بِطَلَبِهَا أَعْرَضُوا عَنْهَا ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهَا ، وَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ) فَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31843قَوْمَ عَادٍ كَانُوا أَكْثَرَ أَمْوَالًا وَقُوَّةً وَجَاهًا مِنْهُمْ ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَلَّطَ الْعَذَابَ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ شُؤْمِ كُفْرِهِمْ فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ هَهُنَا
[ ص: 24 ] لِيَعْتَبِرَ بِهَا
أَهْلُ مَكَّةَ ، فَيَتْرُكُوا الِاغْتِرَارَ بِمَا وَجَدُوهُ مِنَ الدُّنْيَا وَيُقْبِلُوا عَلَى طَلَبِ الدِّينِ ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِمَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ تَقْبِيحَ طَرِيقَةٍ عِنْدَ قَوْمٍ كَانَ الطَّرِيقُ فِيهِ ضَرْبَ الْأَمْثَالِ ، وَتَقْدِيرُهُ : أَنَّ مَنْ وَاظَبَ عَلَى تِلْكَ الطَّرِيقَةِ نَزَلَ بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ كَذَا وَكَذَا ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ ) أَيْ : وَاذْكُرْ يَا
مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ
أَهْلَ مَكَّةَ هُودًا عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ ) أَيْ : حَذَّرَهُمْ عَذَابَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21بِالْأَحْقَافِ ) قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : الْحِقْفُ الرَّمْلُ الْمُعْوَجُّ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُعْوَجِّ : مَحْقُوفٌ ، وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : الْأَحْقَافُ وَاحِدُهَا حِقْفٌ وَهُوَ الْكَثِيبُ الْمُكَسَّرُ غَيْرُ الْعَظِيمِ وَفِيهِ اعْوِجَاجٌ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : "الْأَحْقَافُ" وَادٍ بَيْنَ
عُمَانَ وَمَهْرَةَ ، وَ "النُّذُرُ" جَمْعُ نَذِيرٍ بِمَعْنَى الْمُنْذِرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ) مِنْ قِبَلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21وَمِنْ خَلْفِهِ ) مِنْ بَعْدِهِ وَالْمَعْنَى : أَنَّ
هُودًا عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ أَنْذَرَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=21أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ الرُّسُلَ الَّذِينَ بُعِثُوا قَبْلَهُ وَالَّذِينَ سَيُبْعَثُونَ بَعْدَهُ كُلُّهُمْ مُنْذِرُونَ نَحْوَ إِنْذَارِهِ .
ثُمَّ حَكَى تَعَالَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا ) الْإِفْكُ الصَّرْفُ ، يُقَالُ : أَفَكَهُ عَنْ رَأْيِهِ أَيْ صَرَفَهُ ، وَقِيلَ : بَلِ الْمُرَادُ لَتُزِيلَنَا بِضَرْبٍ مِنَ الْكَذِبِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22عَنْ آلِهَتِنَا ) وَعَنْ عِبَادَتِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ) مُعَاجَلَةُ الْعَذَابِ عَلَى الشِّرْكِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) فِي وَعْدِكَ ، فَعِنْدَ هَذَا قَالَ
هُودٌ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=23إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ ) وَإِنَّمَا صَلَحَ هَذَا الْكَلَامُ جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ) لِأَنَّ قَوْلَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ) اسْتِعْجَالٌ مِنْهُمْ لِذَلِكَ الْعَذَابِ ، فَقَالَ لَهُمْ
هُودٌ : لَا عِلْمَ عِنْدِي بِالْوَقْتِ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ ذَلِكَ الْعَذَابُ ، إِنَّمَا عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=23وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ ) وَهُوَ التَّحْذِيرُ عَنِ الْعَذَابِ ، وَأَمَّا الْعِلْمُ بِوَقْتِهِ فَمَا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=23وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ) وَهَذَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : الْمُرَادُ أَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الرُّسُلَ لَمْ يُبْعَثُوا سَائِلِينَ عَنْ غَيْرِ مَا أُذِنَ لَهُمْ فِيهِ وَإِنَّمَا بُعِثُوا مُبَلِّغِينَ .
الثَّانِي : أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ مِنْ حَيْثُ إِنَّكُمْ بَقِيتُمْ مُصِرِّينَ عَلَى كُفْرِكُمْ وَجَهْلِكُمْ فَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّهُ قُرُبَ الْوَقْتُ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ بِسَبَبِ هَذَا الْجَهْلِ الْمُفْرِطِ وَالْوَقَاحَةِ التَّامَّةِ .
الثَّالِثُ : إِنِّي أَرَاكُمْ قَوُمًا تَجْهَلُونَ حَيْثُ تُصِرُّونَ عَلَى طَلَبِ الْعَذَابِ ، وَهَبْ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَكُمْ كَوْنِي صَادِقًا ، وَلَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَيْضًا لَكُمْ كَوْنِي كَاذِبًا فَالْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَبِ الشَّدِيدِ لِهَذَا الْعَذَابِ جَهْلٌ عَظِيمٌ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24فَلَمَّا رَأَوْهُ ) ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ فِي الضَّمِيرِ فِي رَأَوْهُ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَبَيَّنَهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24عَارِضًا ) كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=45مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ) [فَاطِرٍ : 45] وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَرْضَ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً فَكَذَا هَهُنَا الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى السَّحَابِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : فَلَمَّا رَأَوُا السَّحَابَ عَارِضًا وَهَذَا اخْتِيَارُ
الزَّجَّاجِ وَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ لَا عَلَى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى مَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=22فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ) أَيْ : فَلَمَّا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ بِهِ عَارِضًا ، قَالَ
أَبُو زَيْدٍ : الْعَارِضُ السَّحَابَةُ الَّتِي تُرَى فِي نَاحِيَةِ السَّمَاءِ ثُمَّ تَطْبِقُ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ ) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : كَانَتْ
عَادٌ قَدْ حُبِسَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ أَيَّامًا فَسَاقَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ سَحَابَةً سَوْدَاءَ فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ وَادٍ يُقَالُ لَهُ :
الْمُغِيثُ فَلَمَّا رَأَوْهُ مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ اسْتَبْشَرُوا وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) وَالْمَعْنَى مُمْطِرُ إِيَّانَا ، قِيلَ كَانَ
هُودٌ قَاعِدًا فِي قَوْمِهِ فَجَاءَ سَحَابٌ مُكْثِرٌ فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ ) مِنَ الْعَذَابِ ثُمَّ بَيَّنَ مَاهِيَّتَهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) . ثُمَّ وَصَفَ تِلْكَ الرِّيحَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ ) أَيْ تُهْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25بِأَمْرِ رَبِّهَا ) وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ تَأْثِيرَاتِ الْكَوَاكِبِ وَالْقِرَانَاتِ ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ حَدَثَ ابْتِدَاءً بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَجْلِ تَعْذِيبِكُمْ
[ ص: 25 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25فَأَصْبَحُوا ) يَعْنِي : عَادًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : رُوِيَ أَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ تَحْمِلُ الْفُسْطَاطَ فَتَرْفَعُهَا فِي الْجَوِّ حَتَّى يُرَى كَأَنَّهَا جَرَادَةٌ ، وَقِيلَ : أَوَّلُ مَنْ أَبْصَرَ الْعَذَابَ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ قَالَتْ : رَأَيْتُ رِيحًا فِيهَا كَشُهُبِ النَّارِ ، وَرُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ مَا عَرَفُوا بِهِ أَنَّهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا مَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ مِنْ رِجَالِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ يَطِيرُ بِهِ الرِّيحُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَدَخَلُوا بُيُوتَهُمْ وَغَلَّقُوا أَبْوَابَهُمْ فَعَلَّقَتِ الرِّيحُ الْأَبْوَابَ وَصَرَعَتْهُمْ ، وَأَحَالَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْأَحْقَافَ ، فَكَانُوا تَحْتَهَا سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لَهُمْ أَنِينٌ ، ثُمَّ كَشَفَتِ الرِّيحُ عَنْهُمْ فَاحْتَمَلَتْهُمْ فَطَرَحَتْهُمْ فِي الْبَحْرِ ، وَرُوِيَ أَنَّ
هُودًا لَمَّا أَحَسَّ بِالرِّيحِ خَطَّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ خَطًّا إِلَى جَنْبِ عَيْنٍ تَنْبُعُ فَكَانَتِ الرِّيحُ الَّتِي تُصِيبُهُمْ رِيحًا لَيِّنَةً هَادِئَةً طَيِّبَةً ،
nindex.php?page=treesubj&link=31843وَالرِّيحُ الَّتِي تُصِيبُ قَوْمَ عَادٍ تَرْفَعُهُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَتُطَيِّرُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ وَتَضْرِبُهُمْ عَلَى الْأَرْضِ ، وَأَثَرُ الْمُعْجِزَةِ إِنَّمَا ظَهَرَ فِي تِلْكَ الرِّيحِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : "
مَا أَمَرَ اللَّهُ خَازِنَ الرِّيَاحِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَى عَادٍ إِلَّا مِثْلَ مِقْدَارِ الْخَاتَمِ " ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ أَهْلَكَهُمْ بِكُلِّيَّتِهِمْ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ إِظْهَارُ كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013713وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى الرِّيحَ فَزِعَ وَقَالَ : " nindex.php?page=treesubj&link=24437اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ" .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَرَأَ
عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ : " لَا يُرَى " بِالْيَاءِ وَضَمِّهَا "مَسَاكِنُهُمْ" بِضَمِّ النُّونِ ، قَالَ
الْكِسَائِيُّ : مَعْنَاهُ لَا يُرَى شَيْءٌ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ : "لَا نَرَى" عَلَى الْخِطَابِ أَيْ لَا تَرَى أَنْتَ أَيُّهَا الْمُخَاطَبُ ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ
عَاصِمٍ "لَا تُرَى" بِالتَّاءِ مَسَاكِنُهُمْ بِضَمِّ النُّونِ وَهِيَ قِرَاءَةُ
الْحَسَنِ ، وَالتَّأْوِيلُ لَا تُرَى مِنْ بَقَايَا عَادٍ أَشْيَاءُ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ . وَقَالَ الْجُمْهُورُ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ
nindex.php?page=treesubj&link=30539تَخْوِيفُ كَفَّارِ مَكَّةَ ، فَإِنْ قِيلَ : لِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=33وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) فَكَيْفَ يَبْقَى التَّخْوِيفُ حَاصِلًا؟ قُلْنَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=33وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) إِنَّمَا أُنْزِلَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ فَكَانَ التَّخْوِيفُ حَاصِلًا قَبْلَ نُزُولِهِ .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَوَّفَ كُفَّارَ
مَكَّةَ ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=treesubj&link=31843فَضْلَ عَادٍ بِالْقُوَّةِ وَالْجِسْمِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدُ "مَا" فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26فِيمَا ) بِمَنْزِلَةِ الَّذِي . وَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26إِنْ ) بِمَنْزِلَةِ مَا وَالتَّقْدِيرُ : وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الَّذِي مَا مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ مِنْكُمْ أَمْوَالًا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابْنُ قُتَيْبَةُ : كَلِمَةُ " إِنْ " زَائِدَةٌ . وَالتَّقْدِيرُ : وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ، وَهَذَا غَلَطٌ لِوُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْحُكْمَ بِأَنَّ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَبَثٌ لَا يَقُولُ بِهِ عَاقِلٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُمْ كَانُوا أَقْوَى مِنْكُمْ قُوَّةً ، ثُمَّ إِنَّهُمْ مَعَ زِيَادَةِ الْقُوَّةِ مَا نَجَوْا مِنْ عِقَابِ اللَّهِ فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُكُمْ ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ إِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا أَقْوَى مِنْ قَوْمِ مَكَّةَ .
الثَّالِثُ : أَنَّ سَائِرَ الْآيَاتِ تُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=74هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا ) [مَرْيَمَ : 74] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=82كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ ) [غَافِرٍ : 82] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً ) وَالْمَعْنَى أَنَّا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ النِّعَمِ وَأَعْطَيْنَاهُمْ سَمْعًا فَمَا اسْتَعْمَلُوهُ فِي سَمَاعِ الدَّلَائِلِ ، وَأَعْطَيْنَاهُمْ أَبْصَارًا فَمَا اسْتَعْمَلُوهَا فِي تَأَمُّلِ الْعِبَرِ ، وَأَعْطَيْنَاهُمْ أَفْئِدَةً فَمَا اسْتَعْمَلُوهَا فِي طَلَبِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، بَلْ صَرَفُوا كُلَّ هَذِهِ الْقُوَى إِلَى طَلَبِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا ، فَلَا جَرَمَ مَا أَغْنَى سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا .
[ ص: 26 ] ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ ) بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيلِ ، وَلَفْظُ "إِذْ" قَدْ يُذْكَرُ لِإِفَادَةِ التَّعْلِيلِ تَقُولُ : ضَرَبْتُهُ إِذْ أَسَاءَ ، وَالْمَعْنَى ضَرَبْتُهُ لِأَنَّهُ أَسَاءَ ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَخْوِيفٌ
لِأَهْلِ مَكَّةَ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31843_30539قَوْمَ عَادٍ لَمَّا اغْتَرُّوا بِدُنْيَاهُمْ وَأَعْرَضُوا عَنْ قَبُولِ الدَّلِيلِ وَالْحُجَّةِ نَزَلَ بِهِمْ عَذَابُ اللَّهِ ، وَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ قُوَّتُهُمْ وَلَا كَثْرَتُهُمْ ،
فَأَهْلُ مَكَّةَ مَعَ عَجْزِهِمْ وَضَعْفِهِمْ أَوْلَى بِأَنْ يَحْذَرُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَخَافُوا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=26وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ نُزُولَ الْعَذَابِ وَإِنَّمَا كَانُوا يَطْلُبُونَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .