(     ) 
ثم قال تعالى : ( وأن سعيه سوف يرى  ثم يجزاه الجزاء الأوفى    ) أي يعرض عليه ويكشف له من أريته الشيء ، وفيه بشارة للمؤمنين على ما ذكرنا ، وذلك أن الله يريه أعماله الصالحة ليفرح بها ، أو يكون يري ملائكته وسائر خلقه ؛ ليفتخر العامل به على ما هو المشهور وهو مذكور لفرح المسلم ولحزن الكافر ، فإن سعيه يرى للخلق ، ويرى لنفسه . ويحتمل أن يقال : هو من رأى يرى فيكون كقوله تعالى : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله    ) [ التوبة : 105 ] وفيها وفي الآية التي بعدها مسائل : 
الأولى : العمل كيف يرى بعد وجوده ومضيه  ؟ نقول فيه وجهان : 
أحدهما : يراه على صورة جميلة إن كان العمل صالحا . 
ثانيهما : هو على مذهبنا غير بعيد فإن كل موجود يرى ، والله قادر على إعادة كل معدوم فبعد الفعل يرى . 
وفيه وجه ثالث : وهو أن ذلك مجاز عن الثواب يقال : سترى إحسانك عند الملك أي جزاءه عليه وهو بعيد لما قال بعده : ( ثم يجزاه الجزاء الأوفى    ) . 
المسألة الثانية : الهاء ضمير السعي أي : ثم يجزى الإنسان سعيه بالجزاء ، والجزاء يتعدى إلى مفعولين قال تعالى : ( وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا    ) [ الإنسان : 12 ] ويقال : جزاك الله خيرا ، ويتعدى إلى ثلاثة مفاعيل بحرف يقال : جزاه الله على عمله الخير الجنة ، ويحذف الجار ويوصل الفعل فيقال : جزاه الله عمله الخير الجنة ، هذا وجه ، وفيه وجه آخر وهو أن الضمير للجزاء ، وتقديره ثم يجزى جزاء ويكون قوله : ( الجزاء الأوفى    ) تفسيرا أو بدلا مثل قوله تعالى : ( وأسروا النجوى الذين ظلموا    ) [ الأنبياء : 3 ] فإن التقدير والذين ظلموا أسروا النجوى ، الذين ظلموا ، والجزاء الأوفى على ما ذكرنا يليق بالمؤمنين الصالحين ؛ لأنه جزاء الصالح ، وإن قال تعالى : ( فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا    ) [ الإسراء : 63 ] وعلى ما قيل يجاب أن الأوفى بالنظر إليه فإن جهنم ضررها أكثر بكثير مع نفع الآثام فهي في نفسها أوفى    . 
المسألة الثالثة : " ثم " لتراخي الجزاء أو لتراخي الكلام أي : ثم نقول يجزاه فإن كان لتراخي الجزاء فكيف يؤخر الجزاء عن الصالح ، وقد ثبت أن الظاهر أن المراد منه الصالح ؟ نقول : الوجهان محتملان وجواب   [ ص: 16 ] السؤال هو أن الوصف بالأوفى يدفع ما ذكرت ؛ لأن الله تعالى من أول زمان يموت الصالح يجزيه جزاء على خيره ويؤخر له الجزاء الأوفى وهي الجنة ، أو نقول : الأوفى إشارة إلى الزيادة فصار كقوله تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى    ) [ يونس : 26 ] وهي الجنة : ( وزيادة    ) وهي الرؤية فكأنه تعالى قال : ( وأن سعيه سوف يرى    ) ثم يرزق الرؤية ، وهذا الوجه يليق بتفسير اللفظ ، فإن الأوفى مطلق غير مبين فلم يقل : أوفى من كذا ، فينبغي أن يكون أوفى من كل واف ولا يتصف به غير رؤية الله تعالى . 
المسألة الرابعة : في بيان لطائف في الآيات . 
الأولى : قال في حق المسيء : ( ألا تزر وازرة وزر أخرى    ) وهو لا يدل إلا على عدم الحمل عن الوازرة ، وهذا لا يلزم منه بقاء الوزر عليها من ضرورة اللفظ ، لجواز أن يسقط عنها ويمحو الله ذلك الوزر ، فلا يبقى عليها ولا يتحمل عنها غيرها ، ولو قال : لا تزر وازرة إلا وزر نفسها كان من ضرورة الاستثناء أنها تزر ، وقال في حق المحسن : ليس للإنسان إلا ما سعى  ، ولم يقل : ليس له ما لم يسع ؛ لأن العبارة الثانية ليس فيها أن له ما سعى ، وفي العبارة الأولى أن له ما سعى ، نظرا إلى الاستثناء ، وقال في حق المسيء بعبارة لا تقطع رجاءه ، وفي حق المحسن بعبارة تقطع خوفه ، كل ذلك إشارة إلى سبق الرحمة الغضب 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					