( وأنه أهلك عادا الأولى  وثمود فما أبقى  وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى    ) 
ثم قال تعالى : ( وأنه أهلك عادا الأولى    ) لما ذكر أنه : ( أغنى وأقنى    ) وكان ذلك بفضل الله لا بعطاء الشعرى ، وجب الشكر لمن قد أهلك وكفى لهم دليلا حال عاد  وثمود  وغيرهم : و ( عادا الأولى    ) قيل : بالأولى تميزت من قوم كانوا بمكة  هم عاد  الآخرة ، وقيل : الأولى لبيان تقدمهم لا لتمييزهم ، تقول : زيد العالم جاءني فتصفه لا لتميزه ولكن لتبين علمه ، وفيه قراءات " عادا الأولى " بكسر نون التنوين لالتقاء الساكنين ، و " عاد الأولى " بإسقاط نون التنوين أيضا لالتقاء الساكنين كقراءة " عزير ابن الله " و ( قل هو الله أحد  الله الصمد    ) [ الإخلاص : 1 ، 2 ] و " عادا لولى " بإدغام النون في اللام ، ونقل ضمة الهمزة إلى اللام و " عادا لؤلى " بهمزة الواو ، وقرأ هذا القارئ " على سؤقه " ودليله ضعيف وهو يحتمل هذا في موضع " المؤقدة " و " المؤصدة " للضمة والواو فهي في هذا الموضع تجزي على الهمزة ، وكذا في " سؤقه " لوجود الهمزة في الأصل ، وفي موسى . وقوله لا يحسن . 
ثم قال تعالى : ( وثمود فما أبقى    ) يعني وأهلك ثمود وقوله : ( فما أبقى    ) عائد إلى عاد  وثمود  أي فما أبقى عليهم ، ومن المفسرين من قال : فما أبقاهم أي فما أبقى منهم أحدا ويؤيد هذا قوله تعالى : ( فهل ترى لهم من باقية    ) [ الحاقة : 8 ] وتمسك الحجاج  على من قال : إن ثقيفا  من ثمود  بقوله تعالى : ( فما أبقى    ) . 
( وقوم نوح    ) أي أهلكهم ( من قبل    ) والمسألة مشهورة في " قبل " ، و" بعد " تقطع عن الإضافة فتصير كالغاية فتبنى على الضمة . أما البناء فلتضمنه الإضافة ، وأما على الضمة فلأنها لو بنيت على الفتحة لكان قد أثبت فيه ما يستحقه بالإعراب من حيث إنها ظروف زمان فتستحق النصب والفتح مثله ، ولو بنيت على الكسر لكان الأمر على ما يقتضيه الإعراب وهو الجر بالجار فبني على ما يخالف حالتي إعرابها . 
وقوله تعالى : ( إنهم كانوا هم أظلم وأطغى     ) أما الظلم فلأنهم هم البادئون به المتقدمون فيه " ومن سن سنة سيئة  فعليه وزرها ووزر من عمل بها   " والبادئ أظلم ، وأما " أطغى " فلأنهم سمعوا المواعظ وطال عليهم الأمد ولم يرتدعوا حتى دعا عليهم نبيهم ، ولا يدعو نبي على قومه إلا بعد الإصرار العظيم ، والظالم واضع   [ ص: 22 ] الشيء في غير موضعه ، والطاغي المجاوز الحد ؛ فالطاغي أدخل في الظلم فهو كالمغاير والمخالف ، فإن المخالف مغاير مع وصف آخر زائد ، وكذا المغاير والمضاد وكل ضد غير وليس كل غير ضدا ، وعليه سؤال وهو أن قوله : ( وقوم نوح    ) المقصود منه تخويف الظالم بالهلاك ، فإذا قال : هم كانوا في غاية الظلم والطغيان فأهلكوا يقول الظالم : هم كانوا أظلم فأهلكوا لمبالغتهم في الظلم ، ونحن ما بالغنا فلا نهلك ، وأما لو قال : أهلكوا لأنهم ظلمة لخاف كل ظالم فما الفائدة في قوله : ( أظلم    ) ؟ نقول : المقصود بيان شدتهم وقوة أجسامهم فإنهم لم يقدموا على الظلم والطغيان الشديد إلا بتماديهم وطول أعمارهم ، ومع ذلك ما نجا أحد منهم فما حال من هو دونهم من العمر والقوة فهو كقوله تعالى : ( أشد منهم بطشا    ) [ ق : 36 ] . 
				
						
						
