( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام    ) . 
ثم قال تعالى : ( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : في الترتيب وفيه وجوه : 
أحدها : أنه تعالى لما ختم نعم الدنيا بقوله تعالى : ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام    ) ختم نعم الآخرة بقوله : ( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام    ) إشارة إلى أن الباقي والدائم لذاته هو الله تعالى لا غير والدنيا فانية  ، والآخرة إن كانت باقية لكن بقاؤها بإبقاء الله تعالى . ثانيها : هو أنه تعالى في أواخر هذه السور كلها ذكر اسم الله فقال في السورة التي قبل هذه : ( عند مليك مقتدر    ) [ القمر : 55 ] وكون العبد عند الله من أتم النعم كذلك ههنا بعد ذكر الجنات وما فيها من النعم قال : ( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام    ) إشارة إلى أن أتم النعم عند الله تعالى ، وأكمل اللذات ذكر الله تعالى  ، وقال في السورة التي بعد هذه : ( فروح وريحان وجنة نعيم    ) [ الواقعة : 89 ] ثم قال تعالى في آخر السورة : ( فسبح باسم ربك العظيم    ) [ الواقعة : 96 ] . ثالثها : أنه تعالى ذكر جميع اللذات في الجنات ، ولم يذكر لذة السماع وهي من أتم أنواعها ، فقال : ( متكئين على رفرف خضر    ) يسمعون ذكر الله تعالى . 
المسألة الثانية : أصل التبارك من البركة وهي الدوام والثبات ، ومنها بروك البعير وبركة الماء ، فإن الماء يكون فيها دائما وفيه وجوه : 
أحدها : دام اسمه وثبت . 
وثانيها : دام الخير عنده لأن البركة وإن كانت من الثبات لكنها تستعمل في الخير . 
وثالثها : تبارك بمعنى علا وارتفع شأنا لا مكانا . 
المسألة الثالثة : قال بعد ذكر نعم الدنيا : ( ويبقى وجه ربك    ) [ الرحمن : 27 ] وقال بعد ذكر نعم الآخرة : ( تبارك اسم ربك    ) لأن الإشارة بعد عد نعم الدنيا وقعت إلى عدم كل شيء من الممكنات وفنائها في ذواتها ، واسم الله تعالى ينفع الذاكرين ولا ذاكر هناك يوحد الله غاية التوحيد فقال : ويبقى وجه الله تعالى والإشارة هنا وقعت إلى أن بقاء أهل الجنة بإبقاء الله ذاكرين اسم الله متلذذين به  فقال : ( تبارك اسم ربك    ) أي في ذلك اليوم لا يبقى اسم أحد إلا اسم الله تعالى به تدور الألسن ولا يكون لأحد عند أحد حاجة بذكره ولا من أحد خوف ، فإن تذاكروا تذاكروا باسم الله . 
المسألة الرابعة : الاسم مقحم أو هو أصل مذكور له التبارك ، نقول : فيه وجهان : 
أحدهما : وهو المشهور أنه مقحم كالوجه في قوله تعالى : ( ويبقى وجه ربك    ) يدل عليه قوله : ( فتبارك الله أحسن الخالقين    ) [ المؤمنون : 14 ] و : ( تبارك الذي بيده الملك    ) [ الملك : 1 ] وغيره من صور استعمال لفظ تبارك . 
وثانيهما : هو أن الاسم تبارك ، وفيه إشارة إلى معنى بليغ ، أما إذا قلنا : تبارك بمعنى علا فمن علا اسمه كيف يكون مسماه ! وذلك لأن الملك إذا عظم شأنه لا يذكر اسمه إلا بنوع تعظيم ثم إذا انتهى الذاكر إليه يكون تعظيمه له أكثر ،   [ ص: 121 ] فإن غاية التعظيم للاسم أن السامع إذا سمعه قام كما جرت عادة الملوك أنهم إذا سمعوا في الرسائل اسم سلطان عظيم يقومون عند سماع اسمه ، ثم إن أتاهم السلطان بنفسه بدلا عن كتابه الذي فيه اسمه يستقبلونه ويضعون الجباه على الأرض بين يديه ، وهذا من الدلائل الظاهرة على أن علو الاسم يدل على علو زائد في المسمى ، أما إن قلنا : بمعنى دام الخير عنده فهو إشارة إلى أن ذكر اسم الله تعالى يزيل الشر ويهرب الشيطان  ، ويزيد الخير ويقرب السعادات ، وأما إن قلنا : بمعنى دام اسم الله ، فهو إشارة إلى دوام الذاكرين في الجنة على ما قلنا من قبل . 
المسألة الخامسة : القراءة المشهورة ههنا : ( ذي الجلال    ) وفي قوله تعالى : ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال    ) لأن الجلال للرب ، والاسم غير المسمى ، وأما وجه الرب  فهو الرب فوصف هناك الوجه ووصف ههنا الرب ، دون الاسم ، ولو قال : ويبقى الرب لتوهم أن الرب إذا بقي ربا فله في ذلك الزمان مربوب ، فإذا قال وجه أنسي المربوب فحصل القطع بالبقاء للحق فوصف الوجه يفيد هذه الفائدة ، والله أعلم والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					