(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ) وهو مفسر في الأعراف والمقصود منه دلائل القدرة .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ) وهو مفسر في سبأ ، والمقصود منه
nindex.php?page=treesubj&link=28781كمال العلم ، وإنما قدم وصف القدرة على وصف العلم ؛ لأن العلم بكونه تعالى قادرا قبل العلم بكونه تعالى عالما ، ولذلك ذهب جمع من المحققين إلى أن أول العلم بالله ، هو العلم بكونه قادرا ، وذهب آخرون إلى أن أول العلم بالله هو العلم بكونه مؤثرا ، وعلى التقديرين فالعلم بكونه قادرا متقدم على العلم بكونه عالما .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه قد ثبت أن كل ما عدا الواجب الحق فهو ممكن ، وكل ممكن فوجوده من الواجب ، فإذن وصول الماهية الممكنة إلى وجودها بواسطة إفادة الواجب الحق ذلك الوجود لتلك الماهية فالحق سبحانه هو المتوسط بين كل ماهية وبين وجودها ، فهو إلى كل ماهية أقرب من وجود تلك الماهية ، ومن هذا السر قال المحققون : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله ، وقال المتوسطون : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله معه ، وقال الظاهريون : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله بعده .
واعلم أن هذه الدقائق التي أظهرناها في هذه المواضع لها درجتان : إحداهما : أن يصل الإنسان إليها بمقتضى الفكرة والروية والتأمل والتدبر . والدرجة الثانية : أن تتفق لنفس الإنسان قوة ذوقية وحالة وجدانية لا يمكن التعبير عنها ، وتكون نسبة الإدراك مع الذوق إلى الإدراك لا مع الذوق ، كنسبة من يأكل السكر إلى من يصف حلاوته بلسانه .
المسألة الثانية : قال المتكلمون : هذه
nindex.php?page=treesubj&link=28729المعية إما بالعلم وإما بالحفظ والحراسة ، وعلى التقديرين فقد انعقد الإجماع على أنه سبحانه ليس معنا بالمكان والجهة والحيز ، فإذن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4وهو معكم ) لا بد فيه من التأويل وإذا جوزنا التأويل في موضع وجب تجويزه في سائر المواضع .
المسألة الثالثة : اعلم أن في هذه الآيات ترتيبا عجيبا ، وذلك لأنه بين بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=3هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) [ الحديد : 3 ] كونه إلها لجميع الممكنات والكائنات ، ثم بين كونه إلها للعرش والسماوات والأرضين . ثم بين بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4وهو معكم أين ما كنتم ) معيته لنا بسبب القدرة والإيجاد والتكوين وبسبب العلم وهو كونه عالما بظواهرنا وبواطننا ، فتأمل في كيفية هذا الترتيب ، ثم تأمل في ألفاظ هذه الآيات فإن فيها أسرارا عجيبة وتنبيهات على أمور عالية .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) وَهُوَ مُفَسَّرٌ فِي الْأَعْرَافِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ دَلَائِلُ الْقُدْرَةِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ) وَهُوَ مُفَسَّرٌ فِي سَبَأٍ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28781كَمَالُ الْعِلْمِ ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ وَصْفَ الْقُدْرَةِ عَلَى وَصْفِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِهِ تَعَالَى قَادِرًا قَبْلَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا ، وَلِذَلِكَ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ الْعِلْمِ بِاللَّهِ ، هُوَ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ قَادِرًا ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ الْعِلْمِ بِاللَّهِ هُوَ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مُؤَثِّرًا ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْعِلْمُ بِكَوْنِهِ قَادِرًا مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ عَالِمًا .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ مَا عَدَا الْوَاجِبِ الْحَقِّ فَهُوَ مُمْكِنٌ ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ فَوُجُودُهُ مِنَ الْوَاجِبِ ، فَإِذَنْ وَصُولُ الْمَاهِيَّةِ الْمُمْكِنَةِ إِلَى وُجُودِهَا بِوَاسِطَةِ إِفَادَةِ الْوَاجِبِ الْحَقِّ ذَلِكَ الْوُجُودَ لِتِلْكَ الْمَاهِيَّةِ فَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ كُلِّ مَاهِيَّةٍ وَبَيْنَ وُجُودِهَا ، فَهُوَ إِلَى كُلِّ مَاهِيَّةٍ أَقْرَبُ مِنْ وُجُودِ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ ، وَمِنْ هَذَا السِّرِّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ : مَا رَأَيْتُ شَيْئًا إِلَّا وَرَأَيْتُ اللَّهَ قَبْلَهُ ، وَقَالَ الْمُتَوَسِّطُونَ : مَا رَأَيْتُ شَيْئًا إِلَّا وَرَأَيْتُ اللَّهَ مَعَهُ ، وَقَالَ الظَّاهِرِيُّونَ : مَا رَأَيْتُ شَيْئًا إِلَّا وَرَأَيْتُ اللَّهَ بَعْدَهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الدَّقَائِقَ الَّتِي أَظْهَرْنَاهَا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَهَا دَرَجَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَصِلَ الْإِنْسَانُ إِلَيْهَا بِمُقْتَضَى الْفِكْرَةِ وَالرَّوِيَّةِ وَالتَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ . وَالدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ تَتَّفِقَ لِنَفْسِ الْإِنْسَانِ قُوَّةٌ ذَوْقِيَّةٌ وَحَالَةٌ وِجْدَانِيَّةٌ لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهَا ، وَتَكُونُ نِسْبَةُ الْإِدْرَاكِ مَعَ الذَّوْقِ إِلَى الْإِدْرَاكِ لَا مَعَ الذَّوْقِ ، كَنِسْبَةِ مَنْ يَأْكُلُ السُّكَّرَ إِلَى مَنْ يَصِفُ حَلَاوَتَهُ بِلِسَانِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ : هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=28729الْمَعِيَّةُ إِمَّا بِالْعِلْمِ وَإِمَّا بِالْحِفْظِ وَالْحِرَاسَةِ ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ مَعَنَا بِالْمَكَانِ وَالْجِهَةِ وَالْحَيِّزِ ، فَإِذَنْ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4وَهُوَ مَعَكُمْ ) لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّأْوِيلِ وَإِذَا جَوَّزْنَا التَّأْوِيلَ فِي مَوْضِعٍ وَجَبَ تَجْوِيزُهُ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ تَرْتِيبًا عَجِيبًا ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=3هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ) [ الْحَدِيدِ : 3 ] كَوْنَهُ إِلَهًا لِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ وَالْكَائِنَاتِ ، ثُمَّ بَيَّنَ كَوْنَهُ إِلَهًا لِلْعَرْشِ وَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ . ثُمَّ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ) مَعِيَّتَهُ لَنَا بِسَبَبِ الْقُدْرَةِ وَالْإِيجَادِ وَالتَّكْوِينِ وَبِسَبَبِ الْعِلْمِ وَهُوَ كَوْنُهُ عَالَمًا بِظَوَاهِرِنَا وَبَوَاطِنِنَا ، فَتَأَمَّلْ فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا التَّرْتِيبِ ، ثُمَّ تَأَمَّلْ فِي أَلْفَاظِ هَذِهِ الْآيَاتِ فَإِنَّ فِيهَا أَسْرَارًا عَجِيبَةً وَتَنْبِيهَاتٍ عَلَى أُمُورٍ عَالِيَةٍ .