( ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله ) ثم قال تعالى : ( ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في الآية قولان :
الأول : ( ألم نكن معكم ) في الدنيا .
والثاني : ( ألم نكن معكم ) في العبادات والمساجد والصلوات والغزوات ، وهذا القول هو المتعين .
المسألة الثانية : البعد بين الجنة والنار كثير ؛ لأن الجنة في أعلى السماوات ، والنار في الدرك الأسفل ، فهذا يدل على أن البعد الشديد لا يمنع من الإدراك ، ولا يمكن أن يقال : إن الله عظم صوت الكفار بحيث يبلغ من أسفل السافلين إلى أعلى عليين ؛ لأن مثل هذا الصوت إنما يليق بالأشداء الأقوياء جدا ، والكفار موصوفون بالضعف وخفاء الصوت ، فعلمنا أن البعد لا يمنع من الإدراك على ما هو مذهبنا ، ثم حكى تعالى أن المؤمنين قالوا : بلى كنتم معنا إلا أنكم فعلتم أشياء بسببها وقعتم في هذا العذاب .
أولها : ( ولكنكم فتنتم أنفسكم ) أي بالكفر والمعاصي ، وكلها فتنة .
وثانيها : قوله : ( وتربصتم ) وفيه وجوه :
أحدها : قال ابن [ ص: 198 ] عباس : تربصتم بالتوبة .
وثانيها : قال مقاتل : وتربصتم بمحمد الموت ، قلتم يوشك أن يموت فنستريح منه .
وثالثها : كنتم تتربصون دائرة السوء لتلتحقوا بالكفار ، وتتخلصوا من النفاق .
وثالثها : قوله : ( وارتبتم ) وفيه وجوه :
الأول : شككتم في وعيد الله .
وثانيها : شككتم في نبوة محمد .
وثالثها : شككتم في البعث والقيامة .
ورابعها : قوله : ( وغرتكم الأماني ) قال ابن عباس : يريد الباطل وهو ما كانوا يتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين ( حتى جاء أمر الله ) يعني الموت ، والمعنى : ما زالوا في خدع الشيطان وغروره حتى أماتهم الله وألقاهم في النار .


