(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) فيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال
الواحدي : هذه آية مشكلة ، وليس للمفسرين فيها كلام واضح في كيفية اتصال هذه الآية بما قبلها .
[ ص: 216 ] واعلم أن أكثر المفسرين على أن " لا " ههنا صلة زائدة ، والتقدير : ليعلم
أهل الكتاب ، وقال
أبو مسلم الأصفهاني وجمع آخرون : هذه الكلمة ليست بزائدة ، ونحن نفسر الآية على القولين بعون الله تعالى وتوفيقه .
( أما القول المشهور ) وهو أن هذه اللفظة زائدة ، فاعلم أنه لا بد ههنا من تقديم مقدمة وهي : أن
أهل الكتاب وهم
بنو إسرائيل كانوا يقولون : الوحي والرسالة فينا ، والكتاب والشرع ليس إلا لنا ، والله تعالى خصنا بهذه الفضيلة العظيمة من بين جميع العالمين . إذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى لما أمر
أهل الكتاب بالإيمان
بمحمد عليه الصلاة والسلام ووعدهم بالأجر العظيم على ذلك الإيمان -أتبعه بهذه الآية ، والغرض منها أن يزيل عن قلبهم
nindex.php?page=treesubj&link=30549_32424_32425اعتقادهم بأن النبوة مختصة بهم وغير حاصلة إلا في قومهم ، فقال : إنما بالغنا في هذا البيان وأطنبنا في الوعد والوعيد ؛ ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على تخصيص فضل الله بقوم معينين ، ولا يمكنهم حصر الرسالة والنبوة في قوم مخصوصين ، وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ولا اعتراض عليه في ذلك أصلا .
أما القول الثاني : وهو أن لفظة ( لا ) غير زائدة ، فاعلم أن الضمير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29ألا يقدرون ) عائد إلى الرسول وأصحابه ، والتقدير : لئلا يعلم
أهل الكتاب أن النبي والمؤمنين لا يقدرون على شيء من فضل الله ، وأنهم إذا لم يعلموا أنهم لا يقدرون عليه فقد علموا أنهم يقدرون عليه ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29وأن الفضل بيد الله ) أي وليعلموا أن الفضل بيد الله ، فيصير التقدير : إنا فعلنا كذا وكذا لئلا يعتقد
أهل الكتاب أنهم يقدرون على حصر فضل الله وإحسانه في أقوام معينين ، وليعتقدوا أن الفضل بيد الله ، واعلم أن هذا القول ليس فيه إلا أنا أضمرنا فيه زيادة ، فقلنا في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29وأن الفضل بيد الله ) تقدير وليعتقدوا أن الفضل بيد الله .
وأما القول الأول : فقد افتقرنا فيه إلى حذف شيء موجد ، ومن المعلوم أن الإضمار أولى من الحذف ؛ لأن الكلام إذا افتقر إلى الإضمار لم يوهم ظاهره باطلا أصلا ، أما إذا افتقر إلى الحذف كان ظاهره موهما للباطل ، فعلمنا أن هذا القول أولى ، والله أعلم .
المسألة الثانية : قال صاحب "الكشاف" : قرئ : "لكي يعلم" ، و "لكيلا يعلم" ، و "ليعلم" ، و "لأن يعلم" بإدغام النون في الياء . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني في " المحتسب " عن
قطرب : أنه روي عن
الحسن : "ليلا" ، بكسر اللام وسكون الياء . وحكى
ابن مجاهد عنه : "ليلا" بفتح اللام وجزم الياء من غير همز ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : وما ذكر
قطرب أقرب ، وذلك لأن الهمزة إذا حذفت بقي "ليلا" فيجب إدغام الياء في اللام فيصير : "للا" فتجتمع اللامات فتجعل الوسطى لسكونها وانكسار ما قبلها ياء ، فيصير "ليلا" ، وأما رواية
ابن مجاهد عنه ، فالوجه فيه أن لام الجر إذا أضفته إلى المضمر فتحته ، تقول : "له" فمنهم من قاس المظهر عليه ، حكى
أبو عبيدة أن بعضهم قرأ : ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) [ إبراهيم : 46 ] .
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29وأن الفضل بيد الله ) أي في ملكه وتصرفه ، واليد مثل يؤتيه من يشاء ؛ لأنه قادر مختار يفعل بحسب الاختيار (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29والله ذو الفضل العظيم ) والعظيم لا بد وأن يكون إحسانه عظيما ، والمراد تعظيم حال
محمد -صلى الله عليه وسلم -في نبوته وشرعه وكتابه ، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا
محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : هَذِهِ آيَةٌ مُشْكِلَةٌ ، وَلَيْسَ لِلْمُفَسِّرِينَ فِيهَا كَلَامٌ وَاضِحٌ فِي كَيْفِيَّةِ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا .
[ ص: 216 ] وَاعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ " لَا " هَهُنَا صِلَةٌ زَائِدَةٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : لِيَعْلَمَ
أَهْلُ الْكِتَابِ ، وَقَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ وَجَمْعٌ آخَرُونَ : هَذِهِ الْكَلِمَةُ لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ ، وَنَحْنُ نُفَسِّرُ الْآيَةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ .
( أَمَّا الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ ) وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ زَائِدَةٌ ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ هَهُنَا مِنْ تَقْدِيمِ مُقَدِّمَةٍ وَهِيَ : أَنَّ
أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ
بَنُو إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَقُولُونَ : الْوَحْيُ وَالرِّسَالَةُ فِينَا ، وَالْكِتَابُ وَالشَّرْعُ لَيْسَ إِلَّا لَنَا ، وَاللَّهُ تَعَالَى خَصَّنَا بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ . إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ
أَهْلَ الْكِتَابِ بِالْإِيمَانِ
بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَوَعَدَهُمْ بِالْأَجْرِ الْعَظِيمِ عَلَى ذَلِكَ الْإِيمَانِ -أَتْبَعَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَالْغَرَضُ مِنْهَا أَنْ يُزِيلَ عَنْ قَلْبِهِمُ
nindex.php?page=treesubj&link=30549_32424_32425اعْتِقَادَهُمْ بِأَنَّ النُّبُوَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِهِمْ وَغَيْرُ حَاصِلَةٍ إِلَّا فِي قَوْمِهِمْ ، فَقَالَ : إِنَّمَا بَالَغْنَا فِي هَذَا الْبَيَانِ وَأَطْنَبْنَا فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ؛ لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى تَخْصِيصِ فَضْلِ اللَّهِ بِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ حَصْرُ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ فِي قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا .
أَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنَّ لَفْظَةَ ( لَا ) غَيْرُ زَائِدَةٍ ، فَاعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29أَلَّا يَقْدِرُونَ ) عَائِدٌ إِلَى الرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ ، وَالتَّقْدِيرُ : لِئَلَّا يَعْلَمَ
أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّ النَّبِيَّ وَالْمُؤْمِنِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ، وَأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ فَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ ) أَيْ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ ، فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ : إِنَّا فَعَلْنَا كَذَا وَكَذَا لِئَلَّا يَعْتَقِدَ
أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى حَصْرِ فَضْلِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ فِي أَقْوَامٍ مُعَيَّنِينَ ، وَلِيَعْتَقِدُوا أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنَّا أَضْمَرْنَا فِيهِ زِيَادَةً ، فَقُلْنَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ ) تَقْدِيرُ وَلِيَعْتَقِدُوا أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ .
وَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : فَقَدِ افْتَقَرْنَا فِيهِ إِلَى حَذْفِ شَيْءٍ مُوجَدٍ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنَ الْحَذْفِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ إِذَا افْتَقَرَ إِلَى الْإِضْمَارِ لَمْ يُوهِمْ ظَاهِرُهُ بَاطِلًا أَصْلًا ، أَمَّا إِذَا افْتَقَرَ إِلَى الْحَذْفِ كَانَ ظَاهِرُهُ مُوهِمًا لِلْبَاطِلِ ، فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : قُرِئَ : "لِكَيْ يَعْلَمَ" ، وَ "لِكَيْلَا يَعْلَمَ" ، وَ "لِيَعْلَمَ" ، وَ "لِأَنْ يَعْلَمَ" بِإِدْغَامِ النُّونِ فِي الْيَاءِ . وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّي فِي " الْمُحْتَسَبِ " عَنْ
قُطْرُبٍ : أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ : "لِيلَا" ، بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْيَاءِ . وَحَكَى
ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْهُ : "لَيْلَا" بِفَتْحِ اللَّامِ وَجَزْمِ الْيَاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّي : وَمَا ذَكَرَ
قُطْرُبٌ أَقْرَبُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ إِذَا حُذِفَتْ بَقِيَ "لِيلَا" فَيَجِبُ إِدْغَامُ الْيَاءِ فِي اللَّامِ فَيَصِيرُ : "لِلَّا" فَتَجْتَمِعُ اللَّامَاتُ فَتَجْعَلُ الْوُسْطَى لِسُكُونِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا يَاءً ، فَيَصِيرُ "لِيلَا" ، وَأَمَّا رِوَايَةُ
ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْهُ ، فَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ لَامَ الْجَرِّ إِذَا أَضَفْتَهُ إِلَى الْمُضْمَرِ فَتَحْتَهُ ، تَقُولُ : "لَهُ" فَمِنْهُمْ مَنْ قَاسَ الْمُظْهَرَ عَلَيْهِ ، حَكَى
أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَرَأَ : ( وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) [ إِبْرَاهِيمَ : 46 ] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ ) أَيْ فِي مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ ، وَالْيَدُ مِثْلُ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ مُخْتَارٌ يَفْعَلُ بِحَسَبِ الِاخْتِيَارِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) وَالْعَظِيمُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ إِحْسَانُهُ عَظِيمًا ، وَالْمُرَادُ تَعْظِيمُ حَالِ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِي نُبُوَّتِهِ وَشَرْعِهِ وَكِتَابِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .