( لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم    ) 
قوله تعالى : ( لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم    ) فيه مسألتان : 
المسألة الأولى : قال الواحدي    : هذه آية مشكلة ، وليس للمفسرين فيها كلام واضح في كيفية اتصال هذه الآية بما قبلها . 
 [ ص: 216 ] واعلم أن أكثر المفسرين على أن " لا " ههنا صلة زائدة ، والتقدير : ليعلم أهل الكتاب  ، وقال أبو مسلم الأصفهاني  وجمع آخرون : هذه الكلمة ليست بزائدة ، ونحن نفسر الآية على القولين بعون الله تعالى وتوفيقه . 
( أما القول المشهور ) وهو أن هذه اللفظة زائدة ، فاعلم أنه لا بد ههنا من تقديم مقدمة وهي : أن أهل الكتاب  وهم بنو إسرائيل  كانوا يقولون : الوحي والرسالة فينا ، والكتاب والشرع ليس إلا لنا ، والله تعالى خصنا بهذه الفضيلة العظيمة من بين جميع العالمين . إذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى لما أمر أهل الكتاب  بالإيمان بمحمد  عليه الصلاة والسلام ووعدهم بالأجر العظيم على ذلك الإيمان -أتبعه بهذه الآية ، والغرض منها أن يزيل عن قلبهم اعتقادهم بأن النبوة مختصة بهم وغير حاصلة إلا في قومهم  ، فقال : إنما بالغنا في هذا البيان وأطنبنا في الوعد والوعيد ؛ ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على تخصيص فضل الله بقوم معينين ، ولا يمكنهم حصر الرسالة والنبوة في قوم مخصوصين ، وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ولا اعتراض عليه في ذلك أصلا . 
أما القول الثاني : وهو أن لفظة ( لا ) غير زائدة ، فاعلم أن الضمير في قوله : ( ألا يقدرون    ) عائد إلى الرسول وأصحابه ، والتقدير : لئلا يعلم أهل الكتاب  أن النبي والمؤمنين لا يقدرون على شيء من فضل الله ، وأنهم إذا لم يعلموا أنهم لا يقدرون عليه فقد علموا أنهم يقدرون عليه ، ثم قال : ( وأن الفضل بيد الله    ) أي وليعلموا أن الفضل بيد الله ، فيصير التقدير : إنا فعلنا كذا وكذا لئلا يعتقد أهل الكتاب  أنهم يقدرون على حصر فضل الله وإحسانه في أقوام معينين ، وليعتقدوا أن الفضل بيد الله ، واعلم أن هذا القول ليس فيه إلا أنا أضمرنا فيه زيادة ، فقلنا في قوله : ( وأن الفضل بيد الله    ) تقدير وليعتقدوا أن الفضل بيد الله . 
وأما القول الأول : فقد افتقرنا فيه إلى حذف شيء موجد ، ومن المعلوم أن الإضمار أولى من الحذف ؛ لأن الكلام إذا افتقر إلى الإضمار لم يوهم ظاهره باطلا أصلا ، أما إذا افتقر إلى الحذف كان ظاهره موهما للباطل ، فعلمنا أن هذا القول أولى ، والله أعلم . 
المسألة الثانية : قال صاحب "الكشاف" : قرئ : "لكي يعلم" ، و "لكيلا يعلم" ، و "ليعلم" ، و "لأن يعلم" بإدغام النون في الياء . وحكى  ابن جني  في " المحتسب " عن قطرب    : أنه روي عن الحسن    : "ليلا" ، بكسر اللام وسكون الياء . وحكى ابن مجاهد  عنه : "ليلا" بفتح اللام وجزم الياء من غير همز ، قال  ابن جني    : وما ذكر قطرب  أقرب ، وذلك لأن الهمزة إذا حذفت بقي "ليلا" فيجب إدغام الياء في اللام فيصير : "للا" فتجتمع اللامات فتجعل الوسطى لسكونها وانكسار ما قبلها ياء ، فيصير "ليلا" ، وأما رواية ابن مجاهد  عنه ، فالوجه فيه أن لام الجر إذا أضفته إلى المضمر فتحته ، تقول : "له" فمنهم من قاس المظهر عليه ، حكىأبو عبيدة  أن بعضهم قرأ : ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) [ إبراهيم : 46 ] . 
وأما قوله تعالى : ( وأن الفضل بيد الله    ) أي في ملكه وتصرفه ، واليد مثل يؤتيه من يشاء ؛ لأنه قادر مختار يفعل بحسب الاختيار ( والله ذو الفضل العظيم    ) والعظيم لا بد وأن يكون إحسانه عظيما ، والمراد تعظيم حال محمد    -صلى الله عليه وسلم -في نبوته وشرعه وكتابه ، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد  ، وعلى آله وصحبه وسلم . 
				
						
						
