المسألة الأولى : قال رحمه الله : الضابط أن كل من صح طلاقه صح ظهاره ، فعلى هذا الشافعي عنده صحيح ، وقال ظهار الذمي لا يصح ، واحتج أبو حنيفة بعموم قوله تعالى : ( الشافعي والذين يظاهرون من نسائهم ) وأما القياس فمن وجهين :
الأول : أن تأثير الظهار في التحريم ، والذمي أهل لذلك ، بدليل صحة طلاقه ، وإذا ثبت هذا وجب أن يصح هذا التصرف منه قياسا على سائر التصرفات .
الثاني : أن الكفارة إنما وجبت على المسلم زجرا له عن هذا الفعل الذي هو منكر من القول وزور ، وهذا المعنى قائم في حق الذمي فوجب أن يصح ، واحتجوا لقول بهذه الآية من وجهين : أبي حنيفة
الأول : احتج بقوله تعالى : ( أبو بكر الرازي الذين يظاهرون منكم من نسائهم ) وذلك خطاب للمؤمنين ، فيدل على أن الظهار مخصوص بالمؤمنين .
الثاني : أن من لوازم الظهار الصحيح وجوب ، بدليل قوله تعالى : ( الصوم على العائد العاجز عن الإعتاق والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ) إلى قوله : ( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ) [ المجادلة : 4 ] وإيجاب الصوم على الذمي ممتنع ؛ لأنه لو وجب لوجب ، إما مع الكفر وهو باطل بالإجماع ، أو بعد الإيمان وهو باطل ؛ لقوله عليه السلام : " " . الإسلام يجب ما قبله
( والجواب ) عن الأول من وجوه :
أحدها : أن قوله : ( منكم ) خطاب مشافهة ، فيتناول جميع الحاضرين ، فلم قلتم : إنه مختص بالمؤمنين ؟ سلمنا أنه مختص بالمؤمنين ، فلم قلتم : إن تخصيصه بالمؤمنين في الذكر يدل على أن حال غيرهم بخلاف ذلك ، لا سيما ومن مذهب هذا القائل أن التخصيص بالذكر لا يدل على أن حال ما عداه بخلافه ، سلمنا بأنه يدل عليه ، لكن دلالة المفهوم أضعف من دلالة المنطوق ، فكان التمسك بعموم قوله : ( والذين يظاهرون ) أولى ، سلمنا الاستواء في القوة ، لكن مذهب أن العام إذا ورد بعد الخاص كان ناسخا للخاص ، والذي تمسكنا به وهو قوله : ( أبي حنيفة والذين يظاهرون من نسائهم ) ( المجادلة : 3 ) متأخر في الذكر عن قوله : ( الذين يظاهرون منكم ) والظاهر أنه كان متأخرا في النزول أيضا ؛ لأن قوله : ( الذين يظاهرون منكم ) ليس فيه بيان حكم الظهار ، وقوله : ( والذين يظاهرون من نسائهم ) فيه بيان حكم الظهار ، وكون المبين متأخرا في النزول عن المجمل أولى .
( والجواب ) عن الثاني من وجوه :
الأول : أن لوازمه أيضا أنه متى اكتفي منه بالإطعام ، فههنا إن تحقق العجز وجب أن يكتفى منه بالإطعام ، وإن لم يتحقق فقد زال السؤال . عجز عن الصوم
والثاني : أن الصوم يدل عن الإعتاق ، والبدل أضعف من المبدل ، ثم إن العبد عاجز عن الإعتاق مع أنه يصح ظهاره ، فإذا كان فوات أقوى اللازمين لا يوجب المنع مع صحة الظهار ، ففوات أضعف اللازمين كيف يمنع من القول بصحة الظهار ؟
الثالث : قال القاضي حسين من أصحابنا : إنه يقال : إن أردت الخلاص من التحريم ، فأسلم وصم ، أما قوله عليه الصلاة والسلام : " " قلنا : إنه عام ، والتكليف بالتكفير خاص ، والخاص مقدم على العام ، وأيضا فنحن لا نكلفه بالصوم بل نقول : إذا أردت إزالة التحريم فصم ، وإلا فلا تصم . الإسلام يجب ما قبله
[ ص: 221 ]