( لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر )
ولما شهد على كذبهم على سبيل الإجمال أتبعه بالتفصيل فقال : ( لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) .
واعلم أنه تعالى عالم بجميع المعلومات التي لا نهاية لها ، فعلم الموجودات في الأزمنة الثلاثة ، والمعدومات في الأزمنة الثلاثة ، وعلم في كل واحد من هذه الوجوه الستة أنه لو كان على خلاف ما وقع كيف كان يكون على ذلك التقدير ، فههنا أخبر تعالى أن هؤلاء اليهود لئن أخرجوا فهؤلاء المنافقون لا يخرجون معهم ، وقد كان الأمر كذلك ؛ لأن بني النضير لما أخرجوا لم يخرج معهم المنافقون ، وقوتلوا أيضا فما نصروهم ، فأما قوله تعالى : ( ولئن نصروهم ) فتقديره كما يقول المعترض الطاعن في كلام الغير : لا نسلم أن الأمر كما تقول ، ولئن سلمنا أن الأمر كما تقول ، لكنه لا يفيد لك فائدة ، فكذا ههنا ذكر تعالى أنهم لا ينصرونهم ، وبتقدير أن ينصروا إلا أنهم لا بد وأن يتركوا تلك النصرة وينهزموا ، ويتركوا أولئك المنصورين [ ص: 252 ] في أيدي الأعداء ، ونظير هذه الآية قوله : ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) [ الأنفال : 23 ] ، فأما قوله : ( ثم لا ينصرون ) ففيه وجهان :
الأول : أنه راجع إلى المنافقين يعني : لينهزمن المنافقون ثم لا ينصرون بعد ذلك ، أي : يهلكهم الله ، ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم .
والثاني : لينهزمن اليهود ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين .
ثم ذكر تعالى أن فقال : خوف المنافقين من المؤمنين أشد من خوفهم من الله تعالى
( لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ) أي لا يعلمون عظمة الله حتى يخشوه حق خشيته .
ثم قال تعالى : ( لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ) يريد أن هؤلاء لا يقدرون على مقاتلتكم مجتمعين إلا إذا كانوا في قرى محصنة بالخنادق والدروب أو من وراء جدر ، وذلك بسبب أن الله ألقى في قلوبهم الرعب ، وأن تأييد الله ونصرته معكم ، وقرئ ( جدر ) بالتخفيف ، وجدار ، وجدر وجدر ، وهما الجدار . اليهود والمنافقين