[ ص: 256 ] ( المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) .
أما قوله : ( المتكبر ) ففيه وجوه :
أحدها : قال : الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله . ابن عباس
وثانيها : قال قتادة : المتعظم عن كل سوء .
وثالثها : قال الزجاج : الذي تعظم عن ظلم العباد .
ورابعها : قال : المتكبر ذو الكبرياء ، والكبرياء عند العرب : الملك ، ومنه قوله تعالى : ( ابن الأنباري وتكون لكما الكبرياء في الأرض ) [ يونس : 78 ] .
واعلم أن ؛ لأن المتكبر هو الذي يظهر من نفسه الكبر ، وذلك نقص في حق الخلق ؛ لأنه ليس له كبر ولا علو ، بل ليس معه إلا الحقارة والذلة والمسكنة ، فإذا أظهر العلو كان كاذبا ، فكان ذلك مذموما في حقه ، أما المتكبر في حق الخلق اسم ذم ، فإذا أظهره فقد أرشد العباد إلى تعريف جلاله وعلوه ، فكان ذلك في غاية المدح في حقه سبحانه ؛ ولهذا السبب لما ذكر هذا الاسم قال : ( الحق سبحانه فله جميع أنواع العلو والكبرياء سبحان الله عما يشركون ) كأنه قيل : إن المخلوقين قد يتكبرون ويدعون مشاركة الله في هذا الوصف لكنه سبحانه منزه عن التكبر الذي هو حاصل للخلق ؛ لأنهم ناقصون بحسب ذواتهم ، فادعاؤهم الكبر يكون ضم نقصان الكذب إلى النقصان الذاتي ، أما الحق سبحانه فله العلو والعزة ، فإذا أظهره كان ذلك ضم كمال إلى كمال ، فسبحان الله عما يشركون في إثبات صفة المتكبرية للخلق .
ثم قال : ( هو الله الخالق ) والخلق هو التقدير ، معناه أنه يقدر أفعاله على وجوه مخصوصة ، فالخالقية راجعة إلى صفة الإرادة .
ثم قال : ( البارئ ) وهو بمنزلة قولنا : صانع وموجد ، إلا أنه يفيد اختراع الأجسام ؛ ولذلك يقال في الخلق : برية ، ولا يقال في الأعراض التي هي كاللون والطعم .
وأما المصور : فمعناه أنه يخلق صور الخلق على ما يريد ، ؛ لأن ترجيح الإرادة مقدم على تأثير القدرة . وقدم ذكر الخالق على البارئ ؛ لأن إيجاد الذوات مقدم على إيجاد الصفات . وقدم البارئ على المصور
ثم قال تعالى : ( له الأسماء الحسنى ) وقد فسرناه في قوله : ( ولله الأسماء الحسنى ) .
أما قوله : ( يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) فقد مر تفسيره في أول سورة الحديد ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ، والحمد لله رب العالمين ، وصلاته على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين ، وسلم تسليما كثيرا .