( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين )
ثم قال تعالى : ( قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما )
قال مقاتل : إن أقبل بتجارة من دحية بن خليفة الكلبي الشام قبل أن يسلم وكان معه من أنواع التجارة ، وكان يتلقاه أهل المدينة بالطبل والصفق ، وكان ذلك في يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب فخرج إليه الناس وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يبق إلا اثنا عشر رجلا أو أقل كثمانية أو أكثر كأربعين ، فقال عليه السلام : لولا هؤلاء لسومت لهم الحجارة ، ونزلت الآية : وكان من الذين معه أبو بكر وعمر . وقال الحسن : أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدمت عير والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فسمعوا بها وخرجوا إليها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لو اتبع آخرهم أولهم لالتهب الوادي عليهم نارا " قال قتادة : فعلوا ذلك ثلاث مرات ، وقوله تعالى : ( أو لهوا ) وهو الطبل ، وكانوا إذا أنكحوا الجواري يضربون المزامير ، فمروا يضربون ، فتركوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله : ( انفضوا إليها ) أي تفرقوا وقال : مالوا إليها وعدلوا نحوها ، والضمير في إليها للتجارة ، وقال المبرد الزجاج : انفضوا إليه وإليها ، ومعناهما واحد كقوله تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) [ البقرة : [ ص: 11 ] 45 ] واعتبر هنا الرجوع إلى التجارة لما أنها أهم إليهم ، وقوله تعالى : ( وتركوك قائما ) اتفقوا على أن هذا القيام كان في الخطبة للجمعة ، قال جابر : ما رأيت رسول اله صلى الله عليه وسلم في الخطبة إلا وهو قائم ، عبد الله أكان فقرأ : ( النبي يخطب قائما أو قاعدا وتركوك قائما ) وقوله تعالى : ( وسئل قل ما عند الله خير ) أي ثواب الصلاة والثبات مع النبي صلى الله عليه وسلم ( خير من اللهو ومن التجارة ) من اللهو الذي مر ذكره ، والتجارة التي جاء بها ، وقوله تعالى : ( دحية والله خير الرازقين ) هو من قبيل أحكم الحاكمين وأحسن الخالقين ، والمعنى إن أمكن وجود الرازقين فهو خير الرازقين ، وقيل : لفظ الرازق لا يطلق على غيره إلا بطريق المجاز ، ولا يرتاب في أن الرازق بطريق الحقيقة خير من الرازق بطريق المجاز ، وفي الآية مباحث :
البحث الأول : أن التجارة واللهو من قبيل ما لا يرى أصلا ، ولو كان كذلك كيف يصح ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا ) نقول : ليس المراد إلا ما يقرب منه اللهو والتجارة ، ومثله حتى يسمع كلام الله ، إذ الكلام غير مسموع ، بل المسموع صوت يدل عليه .
الثاني : كيف قال : ( انفضوا إليها ) وقد ذكر شيئين وقد مر الكلام فيه ، وقال صاحب الكشاف : تقديره إذا رأوا تجارة انفضوا إليها ، أو لهوا انفضوا إليه ، فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه .
الثالث : أن قوله تعالى : ( والله خير الرازقين ) مناسب للتجارة التي مر ذكرها لا للهو ، نقول : بل هو مناسب للمجموع لما أن اللهو الذي مر ذكره كالتبع للتجارة ، لما أنهم أظهروا ذلك فرحا بوجود التجارة كما مر ، والله أعلم بالصواب ، والحمد لله رب العالمين ، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .