قوله تعالى : ( وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه ) .
واعلم أنه تعالى بين أنه لما نظر في كتابه وتذكر قبائح أفعاله خجل منها, وصار العذاب الحاصل من تلك الخجالة أزيد من عذاب النار ، فقال : ليتهم عذبوني بالنار ، وما عرضوا هذا الكتاب الذي ذكرني قبائح أفعالي حتى لا أقع في هذه الخجالة ، وهذا ينبهك على أن ، وقوله : ( العذاب الروحاني أشد من العذاب الجسماني ولم أدر ما حسابيه ) أي : ولم أدر أي شيء حسابيه ؛ لأنه حاصل ولا طائل له في ذلك الحساب ، وإنما كله عليه .
ثم قال : ( ياليتها كانت القاضية ) الضمير في "يا ليتها" إلى ماذا يعود ؟ فيه وجهان :
الأول : إلى الموتة الأولى ، وهي وإن لم تكن مذكورة إلا أنها لظهورها كانت كالمذكورة و"القاضية" القاطعة عن الحياة . وفيها إشارة إلى الانتهاء والفراغ ، قال تعالى : ( فإذا قضيت ) [الجمعة : 10] ويقال : قضي على فلان ، أي مات فالمعنى يا ليت الموتة التي متها كانت القاطعة لأمري ، فلم أبعث بعدها ، ولم ألق ما وصلت إليه ، قال قتادة : تمنى الموت ولم يكن في الدنيا عنده شيء أكره من الموت ، وشر من الموت ما يطلب له الموت ، قال الشاعر :
وشر من الموت الذي إن لقيته تمنيت منه الموت والموت أعظم
والثاني : أنه عائد إلى ، والمعنى : يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت علي ؛ لأنه رأى تلك الحالة أبشع وأمر مما ذاقه من مرارة الموت وشدته فتمناه عندها . الحالة التي شاهدها عند مطالعة الكتاب