واعلم أنه تعالى لما شرح هذا العذاب الشديد ذكر سببه فقال :
( إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين ) .
فالأول إشارة إلى فساد حال القوة العاقلة .
والثاني إشارة إلى فساد حال القوة العملية ، وههنا مسائل :
المسألة الأولى : قوله : ( ولا يحض على طعام المسكين ) فيه قولان :
أحدهما : ولا يحض على بذل طعام المسكين .
والثاني : أن الطعام ههنا اسم أقيم مقام الإطعام كما وضع العطاء مقام الإعطاء في قوله :
وبعد عطائك المائة الرتاعا
المسألة الثانية : قال صاحب الكشاف : قوله : ( ولا يحض على طعام المسكين ) فيه دليلان قويان على : عظم الجرم في حرمان المساكين
أحدهما : عطفه على الكفر وجعله قرينة له .
والثاني : ذكر الحض دون الفعل ليعلم أن تارك الحض بهذه المنزلة ، فكيف بمن يترك الفعل .
المسألة الثالثة : دلت الآية على أن ، وهو المراد من قولنا : إنهم مخاطبون بفروع الشرائع ، وعن الكفار يعاقبون على ترك الصلاة والزكاة أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين ، ويقول : خلعنا نصف السلسلة بالإيمان أفلا نخلع النصف الباقي ! وقيل : المراد منه منع الكفار , وقولهم : ( أبي الدرداء أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ) [يس : 47] .
ثم قال : ( فليس له اليوم هاهنا حميم ) أي : ليس له في الآخرة حميم أي قريب يدفع عنه ويحزن عليه ؛ لأنهم يتحامون ويفرون منه كقوله : ( ولا يسأل حميم حميما ) [المعارج : 10] وكقوله : ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) [غافر : 18] .