( والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ) .
الدليل الرابع : قوله تعالى : ( والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا ) أي : طرقا واسعة واحدها فج وهو مفسر فيما تقدم .
واعلم أن نوحا عليه السلام لما دعاهم إلى الله ونبههم على هذه الدلائل الظاهرة حكى عنهم أنواع قبائحهم وأقوالهم وأفعالهم .
فالأول : قوله : ( قال نوح رب إنهم عصوني ) وذلك لأنه قال في أول السورة : ( أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ) ، فكأنه قال قلت لهم : أطيعون فهم عصوني .
الثاني : قوله : ( واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : ذكر في الآية الأولى أنهم عصوه وفي هذه الآية أنهم ضموا إلى عصيانه معصية أخرى وهي طاعة رؤسائهم الذين يدعونهم إلى الكفر ، وقوله : ( من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ) يعني هذان وإن كانا من جملة المنافع في الدنيا إلا أنهما لما صارا سببا للخسارة في الآخرة فكأنهما صارا محض الخسار, [ ص: 126 ] والأمر كذلك في الحقيقة ؛ لأن فإذا صارت المنافع الدنيوية أسبابا للخسارة في الآخرة صار ذلك جاريا مجرى اللقمة الواحدة من الحلو إذا كانت مسمومة سم الوقت ، واستدل بهذه الآية من قال : إنه ليس لله على الكافر نعمة ؛ لأن هذه النعم استدراجات ووسائل إلى العذاب الأبدي فكانت كالعدم ، ولهذا المعنى قال الدنيا في جنب الآخرة كالعدم نوح عليه السلام في هذه الآية : ( لم يزده ماله وولده إلا خسارا ) .
المسألة الثانية : قرئ "وولده" بضم الواو واعلم أن الولد بالضم لغة في الولد ، ويجوز أن يكون جمعا ؛ إما جمع ولد كالفلك ، وههنا يجوز أن يكون واحدا وجمعا .