( عليها تسعة عشر  وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة    ) 
ثم قال : ( عليها تسعة عشر    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : المعنى أنه يلي أمر تلك النار ، ويتسلط على أهلها تسعة عشر ملكا ، وقيل : تسعة عشر صنفا ، وقيل : تسعة عشر صفا . وحكى الواحدي  عن المفسرين : أن خزنة النار تسعة عشر    : مالك  ، ومعه ثمانية عشر أعينهم كالبرق ، وأنيابهم كالصياصي ، وأشعارهم تمس أقدامهم ، يخرج لهب النار من أفواههم ، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة ، يسع كف أحدهم مثل ربيعة  ومضر  ، نزعت منهم الرأفة والرحمة ، يأخذ أحدهم سبعين ألفا في كفه ويرميهم حيث أراد من جهنم . 
المسألة الثانية : ذكر أرباب المعاني في تقدير هذا العدد وجوها : 
أحدها : وهو الوجه الذي تقوله أرباب الحكمة ؛ أن سبب فساد النفس الإنسانية  في قوتها النظرية والعملية هو القوى الحيوانية والطبيعية . 
أما القوى الحيوانية فهي : الخمسة الظاهرة ، والخمسة الباطنة ، والشهوة والغضب ، ومجموعهما اثنتا عشرة . 
وأما القوى الطبيعية فهي : الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة ، وهذه سبعة ، فالمجموع تسعة عشر ، فلما كان منشأ الآفات هو هذه التسعة عشر ، لا جرم كان عدد الزبانية هكذا . 
وثانيها : أن أبواب جهنم سبعة  ، فستة منها للكفار ، وواحد للفساق ، ثم إن الكفار يدخلون النار لأمور ثلاثة    : ترك الاعتقاد وترك الإقرار وترك العمل ، فيكون لكل باب من تلك الأبواب الستة ثلاثة ، والمجموع ثمانية عشر ، وأما باب الفساق فليس هناك زبانية بسبب ترك الاعتقاد ولا بسبب ترك القول ، بل ليس إلا بسبب ترك العمل ، فلا يكون على بابهم إلا زبانية واحدة ، فالمجموع تسعة عشر . 
وثالثها : أن الساعات أربعة وعشرون ، خمسة منها مشغولة بالصلوات الخمس فيبقى منها تسعة عشر مشغولة بغير العبادة ، فلا جرم صار عدد الزبانية تسعة عشر . 
المسألة الثالثة : قراءة أبي جعفر  ويزيد  وطلحة بن سليمان    " عليها تسعة عشر    " على تقطيع فاعلان ، قال  ابن جني  في المحتسب : والسبب أن الاسمين كاسم واحد ، فكثرت الحركات ، فأسكن أول الثاني للتخفيف ، وجعل ذلك أمارة القوة اتصال أحد الاسمين بصاحبه ، وقرأ  أنس بن مالك    " تسعة أعشر " قال أبو حاتم    : هذه القراءة لا نعرف لها وجها ، إلا أن يعني : تسعة أعشر ؛ جمع عشير ، مثل يمين وأيمن ، وعلى هذا يكون المجموع تسعين . 
قوله تعالى : ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة    ) روي أنه لما نزل قوله تعالى : ( عليها تسعة عشر    ) قال أبو جهل  لقريش  ثكلتكم أمهاتكم ، قال ابن أبي كبشة    : إن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الجمع العظيم ، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهما ، فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحي  ، وكان شديد البطش : أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني أنتم اثنين ! فلما قال أبو جهل  وأبو الأشد  ذلك ، قال المسلمون : ويحكم لا تقاس الملائكة بالحدادين ! فجرى هذا مثلا في كل شيئين لا يسوى بينهما ، والمعنى لا تقاس الملائكة بالسجانين   [ ص: 180 ] والحداد : السجان الذي يحبس النار ، فأنزل الله تعالى : ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة    ) واعلم أنه تعالى إنما جعلهم ملائكة لوجوه    : 
أحدها : ليكونوا بخلاف جنس المعذبين ، لأن الجنسية مظنة الرأفة والرحمة ، ولذلك بعث الرسول المبعوث إلينا من جنسنا ليكون له رأفة ورحمة بنا . 
وثانيها : أنهم أبعد الخلق عن معصية الله تعالى وأقواهم على الطاعات الشاقة . 
وثالثها : أن قوتهم أعظم من قوة الجن والإنس ، فإن قيل : ثبت في الأخبار أن الملائكة مخلوقون من النور ، والمخلوق من النور كيف يطيق المكث في النار  ؟ قلنا : مدار القول في إثبات القيامة على كونه تعالى قادرا على كل الممكنات ، فكما أنه لا استبعاد في أن يبقى الحي في مثل ذلك العذاب الشديد أبد الآباد ولا يموت ، فكذا لا استبعاد في بقاء الملائكة هناك من غير ألم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					