( إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) .
المسألة الثانية : قوله : ( إن علينا جمعه ) معناه : علينا جمعه في صدرك وحفظك ، وقوله : ( وقرآنه ) فيه وجهان :
أحدهما : أن المراد من القرآن القراءة ، وعلى هذا التقدير ففيه احتمالان :
أحدهما : أن يكون المراد : جبريل - عليه السلام - سيعيده عليك حتى تحفظه .
والثاني : أن يكون المراد : إنا سنقرئك يا محمد إلى أن تصير بحيث لا تنساه ، وهو المراد من قوله : ( سنقرئك فلا تنسى ) [ الأعلى : 6] ؛ فعلى هذا الوجه الأول القارئ جبريل عليه السلام ، وعلى الوجه الثاني القارئ محمد صلى الله عليه وسلم .
والوجه الثاني : أن يكون المراد من القرآن الجمع والتأليف ، من قولهم : ما قرأت الناقة سلى قط ، أي : ما جمعت ، وبنت عمرو بن كلثوم لم تقرأ جنينا ، وقد ذكرنا ذلك عند تفسير القرء ، فإن قيل : فعلى هذا الوجه يكون الجمع والقرآن واحدا فيلزم التكرار ، قلنا : يحتمل أن يكون المراد من الجمع جمعه في نفسه ووجوده الخارجي ، ومن القرآن جمعه في ذهنه ، وحفظه ، وحينئذ يندفع التكرار .
قوله تعالى : ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) فيه مسألتان :
المسألة الأولى : جعل قراءة جبريل عليه السلام قراءته ، وهذا يدل على لجبريل عليه السلام ، ونظيره في حق الشرف العظيم محمد عليه الصلاة والسلام ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) [ النساء : 80] .
المسألة الثانية : قال : معناه فإذا قرأه ابن عباس جبريل فاتبع قرآنه ، وفيه وجهان :
الأول : قال قتادة : فاتبع حلاله وحرامه .
والثاني : فاتبع قراءته ، أي : لا ينبغي أن تكون قراءتك مقارنة لقراءة جبريل ، لكن يجب أن تسكت حتى يتم جبريل عليه السلام القراءة ، فإذا سكت جبريل فخذ أنت في القراءة ، وهذا الوجه أولى لأنه عليه السلام أمر أن يدع القراءة ويستمع من جبريل عليه السلام ، حتى إذا فرغ جبريل قرأه ، وليس هذا موضع الأمر باتباع ما فيه من الحلال والحرام . قال : فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه ابن عباس جبريل بعد هذه الآية أطرق واستمع ، فإذا ذهب قرأه .