قوله تعالى ( كلا ) قال الزجاج : " كلا " ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة ، كأنه قيل : لما عرفتم صفة سعادة السعداء وشقاوة الأشقياء في الآخرة ، وعلمتم أنه لا نسبة لها إلى الدنيا ، فارتدعوا عن إيثار الدنيا على الآخرة ، وتنبهوا على ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم ، وتنتقلون إلى الآجلة التي تبقون فيها مخلدين ، وقال آخرون : ( كلا ) أي : حقا إذا بلغت التراقي كان كذا وكذا ، والمقصود أنه لما بين تعظيم أحوال الآخرة بين أن . وقال الدنيا لا بد فيها من الانتهاء والنفاد والوصول إلى تجرع مرارة الموت مقاتل : ( كلا ) أي : لا يؤمن الكافر بما ذكر من أمر القيامة ، ولكنه لا يمكنه أن يدفع أنه لا بد من الموت ، ومن تجرع آلامها ، وتحمل آفاتها .
ثم إنه تعالى وصف تلك الحالة التي تفارق الروح فيها الجسد فقال : ( إذا بلغت التراقي ) وفيه مسألتان :
[ ص: 204 ] المسألة الأولى : المراد إذا بلغت النفس أو الروح ، أخبر عما لم يجر له ذكر لعلم المخاطب بذلك ، كقوله : ( إنا أنزلناه ) [ القدر : 1] والتراقي جمع ترقوة ، وهي عظم وصل بين ثغرة النحر ، والعاتق من الجانبين .
واعلم أنه يكنى ببلوغ النفس التراقي عن القرب من الموت ، ومنه قول دريد بن الصمة :
ورب عظيمة دافعت عنها وقد بلغت نفوسهم التراقي
ونظيره قوله تعالى : ( فلولا إذا بلغت الحلقوم ) [ الواقعة : 83] .
المسألة الثانية : قال بعض الطاعنين : إن ، ومتى فارقت النفس القلب حصل الموت لا محالة ، والآية تدل على أن عند بلوغها التراقي تبقى الحياة حتى يقال فيه : من راق ، وحتى تلتف الساق بالساق ، والجواب : المراد من قوله : ( النفس إنما تصل إلى التراقي بعد مفارقتها عن القلب كلا إذا بلغت التراقي ) أي : إذا حصل القرب من تلك الحالة .