[ ص: 60 ] ( ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة )
( ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة ) قال : الغبرة ما يصيب الإنسان من الغبار، وقوله : ( المبرد ترهقها ) أي تدركها عن قرب، كقولك : رهقت الجبل إذا لحقته بسرعة، والرهق عجلة الهلاك، والقترة سواد كالدخان، ولا يرى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه، كما ترى وجوه الزنوج إذا اغبرت، وكأن الله تعالى جمع في وجوههم بين السواد والغبرة، كما جمعوا بين الكفر والفجور، والله أعلم .
واعلم أن المرجئة والخوارج تمسكوا بهذه الآية، أما المرجئة فقالوا : إن هذه الآية دلت على أن أهل القيامة قسمان : أهل الثواب، وأهل العقاب . ودلت على أن أهل العقاب هم الكفرة، وثبت بالدليل أن الفساق من أهل الصلاة ليسوا بكفرة، وإذا لم يكونوا من الكفرة كانوا من أهل الثواب، وذلك يدل على أن من أهل الصلاة ليس له عقاب، وأما صاحب الكبيرة الخوارج فإنهم قالوا : دلت سائر الدلائل على أن صاحب الكبيرة يعاقب، ودلت هذه الآية على أن كل من يعاقب فإنه كافر، فيلزم أن كل مذنب فإنه كافر . والجواب : أكثر ما في الباب أن المذكور هاهنا هو هذا الفريقان، وذلك لا يقتضي نفي الفريق الثالث، والله أعلم; والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيد المرسلين محمد النبي وآله وصحبه أجمعين .