( هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ )
قوله تعالى : ( هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ )
[ ص: 114 ] اعلم أنه تعالى لما بين حال أصحاب الأخدود في تأذي المؤمنين بالكفار ، بين أن الذين كانوا قبلهم كانوا أيضا كذلك ، واعلم أن فرعون وثمود بدل من الجنود ، وأراد بفرعون إياه وقومه كما في قوله من فرعون وملئهم ، وثمود كانوا في بلاد العرب ، وقصتهم عندهم مشهورة فذكر تعالى من المتأخرين فرعون ، ومن المتقدمين ثمود ، والمقصود بيان أن مستمرة على هذا النهج ، وهذا هو المراد من قوله : ( حال المؤمنين مع الكفار في جميع الأزمنة بل الذين كفروا في تكذيب ) ولما طيب قلب الرسول عليه السلام بحكاية أحوال الأولين في هذا الباب سلاه بعد ذلك من وجه آخر ، وهو قوله : ( والله من ورائهم محيط ) وفيه وجوه :
أحدها : أن المراد وصف اقتداره عليهم وأنهم في قبضته وحوزته ، كالمحاط إذا أحيط به من ورائه فسد عليه مسلكه ، فلا يجد مهربا يقول تعالى : فهو كذا في قبضتي وأنا قادر على إهلاكهم ومعاجلتهم بالعذاب على تكذيبهم إياك فلا تجزع من تكذيبهم إياك ، فليسوا يفوتونني إذا أردت الانتقام منهم .
وثانيها : أن يكون المراد من هذه الإحاطة قرب هلاكهم كقوله تعالى : ( وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ) [ الفتح : 21 ] وقوله : ( وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ) [ الإسراء : 60 ] وقوله : ( وظنوا أنهم أحيط بهم ) [ يونس : 22 ] فهذا كله عبارة عن مشارفة الهلاك ، يقول : فهؤلاء في تكذيبك قد شارفوا الهلاك .
وثالثها : أن يكون المراد والله محيط بأعمالهم ، أي عالم بها ، فهو مرصد بعقابهم عليها ، ثم إنه تعالى سلى رسوله بعد ذلك بوجه ثالث ، وهو قوله : ( بل هو قرآن مجيد ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : تعلق هذا بما قبله ، هو أن هذا ، فلما حكم فيه بسعادة قوم وشقاوة قوم ، وبتأذي قوم من قوم ، امتنع تغيره وتبدله ، فوجب الرضا به ، ولا شك أن هذا من أعظم موجبات التسلية . القرآن مجيد مصون عن التغير والتبدل
المسألة الثانية : قرئ : " قرآن مجيد " بالإضافة ، أي قرآن رب مجيد ، وقرأ في لوح واللوح الهواء يعني اللوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح المحفوظ ، وقرئ محفوظ بالرفع صفة للقرآن كما قلنا : ( يحيى بن يعمر إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [ الحجر : 9 ] .
المسألة الثالثة : أنه تعالى قال هاهنا : ( في لوح محفوظ ) وقال في آية أخرى : ( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون ) [ الواقعة : 77 - 78 ] فيحتمل أن يكون الكتاب المكنون واللوح المحفوظ واحدا ثم كونه محفوظا يحتمل أن يكون المراد كونه محفوظا عن أن يمسه إلا المطهرون ، كما قال تعالى : ( لا يمسه إلا المطهرون ) [ الواقعة : 79 ] ويحتمل أن يكون المراد كونه محفوظا من اطلاع الخلق عليه سوى الملائكة المقربين ويحتمل أن يكون المراد أن لا يجري عليه تغيير وتبديل .
المسألة الرابعة : قال بعض المتكلمين إن اللوح شيء يلوح للملائكة فيقرءونه ولما كانت الأخبار والآثار واردة بذلك وجب التصديق ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .